بحث في المدونة

الأربعاء، 29 يونيو 2011

لا ترحلي ( سيناريو رقم 2 )

" أين ذهبتي ؟ "

قلتها في خفوت شديد و كأنما أخشى أن يسمعني أحد ، ثم بدأت ألتفت نحوي و أجول ببصري هنا و هناك آملاً بأن أراها ، بأن أجدها ، و لكن دون أي جدوى
يبدو أنها رحلت من جديد ...
تركتني كما فعلت مسبقاً ...
و كان ذلك كله بسببي أنا ...
فأنا من ظلمتها دوماً
و كم أنا نادم الان .
و لكن بما يفيد الندم ؟؟
أتمنى فقط أن أراها فقط ثانيةً ، عندئذ ، سأخبرها كم أحبها حقاً من قلبي ، سأخبرها كم أنا نادم على كل ما ارتكبته في حقها من ذنوب .
و لكن هيهات ، هل سترضى و ستصدق كلامي حقاً هذه المرة ؟
فكم من مراتٍ أخبرتها بتلك الكلمات البراقة الجميلة ؟
و لكني كنت قاسياً و أخلفت بكل وعودي بكل خسة و دناءة .
فهل ستصدقني هذه المرة ؟
لا يهمني إن كانت ستصدقني أم لا .
يكفيني فقط شرف المحاولة .
فقط لو أراها ثانية .
و لكن أين أستطيع أن أعثر عليها ثانيةً ؟
بالتأكيد قد رحلت إلى أبعد مكان ممكن ...
... و بلا عودة .
و لكن علي أن أحاول العثور عليها ...
... و بأي ثمن .
نهضت من مكاني في سرعة شديدة ، و توجهت مباشرةً نحو باب حديقة المنزل و خرجت إلى الشارع .
بدأت أنظر إلى كل ما حولي في يأس ...
كم بدا لي العالم واسعاً للغاية في تلك اللحظة ؟
و لكن لا ... لا ينبغي علي أن أيأس بتلك السهولة و البساطة .
ينبغي أن أحاول بكل جهدي أولاً .
أثارت تلك الأفكار الحماسة في نفسي ، فبدأت أركض في كل مكان ، أخذت أجول هنا و هناك .
و أسأل أصحاب المتاجر المجاورة لمنزلي : هل رأيتها ؟
لم أكن أيأس قط عندما يخبرني بأسف : كلا ، لم آرها .
لم تنقص حماستي و لو بمقدار ذرة واحدة ...
و لكن لكل شيء نهاية
حتى حماستي المتفجرة ... و آمالي الخيالية في العثور عليها
فقد بدأت تنقص شيئاً فشيئاً ...
حتى تلاشت و تخبرت أو كادت ...
و قررت بالفعل أن أعود أدراجي إلى منزلي حاملاً معي خيبة آملي الكبيرة و التي صدمتني و إن كنت أتوقعها .
و لكن شاءت الأقدار أن لا أعود منزلي بهذا الإحباط الشديد ...
فهناك و على مقربة من المنزل
ارتفعت معنوياتي من جديد ...

و إلى أقصى حد
  لا أصدق عيني !
لقد رأيتها !
إنها هي و لا شك !
أنا واثق من ذلك أشد الثقة
كلا ، أنا واثق أنني لست واهماً حتماً
بل أنا أراها هي حقاً !
نفس طريقتها في السير
أوداجها منتفخة في شموخ
رأسها يتألق و كأنما يعلوه ألف تاج
و كانت تنظر إلي ...
نظرة تحمل الكثير من المعاني ...
و الكثير جداً
كانت تحمل الحب
و العتاب و اللوم
كانت مزيجاً عجيباً بين كل العشق ...
و كل البغض !
نظرت إليها في صمتٍ و خجل
حاولت أن أقول الكثير و الكثير جداً
و لكن الكلمات وقفت في حلقي جامدة و أبت أن تعبر شفتاي .
حاولت أن أعتذر ، أن أخبرها كم أحبها ، و كم أنا نادم على كل ظلم ظلمته لها ؟
و حاولت أن أعدها بأنني لن أكرر هذا مجدداً قط ، و لكنني عجزت
و لكنها فهمت كل ما أريد قوله .
قرأت قل ما يجوب بعقلي في تلك اللحظة .
و بدت عيناها تفيضان بنظرات السخرية و الاستنكار ، كانت تقول لي بأنها متيقنة بأني سأخلف بوعودي كالعادة ...
و ظل الموقف جامداً كما هو للحظات ، بدت لي كالدهر ، تبادلنا فيها العديد من النظرات كانت تحوي الكثير من الكلمات
و فجأة ، و بدون مقدمات ، استدارت و أخذت تبتعد في صمت ...
و هنا نزعت عن نفسي حبل الهدوء و قطعت حبل الصمت صارخاً بأعلى صوتي :
لا ، لا ترحلي ، عودي ارجوكِ .
و لكنها واصلت ابتعادها بدون أن تلتفت إلي .
هتفت مجدداً و أنا أركض مسرعاً لألحق بها : أرجوكِ سامحيني ، أرجوك عودي .

و لكنها ابتعدت عن انظاري تماماً ، فتوقفت عن العدو و صرخت يائساً و الدموع تترقرق من عيناي : لا ترحلي ، أرجوكِ .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 " لا "
صرخت بها بأعلى صوتي و أنا أنهض مفزوعاً أيما الفزع من على فراشي ، و أخذ أن ألهث بعنف ، و كأنما كنت أركض في الواقع و ليس في مجرد حلم .
نهضت من على فراشي ، و ذهبت لتناول كوباً من الماء .
قم عدت لأتابع نومي ، آملاً أن يكون هادئاً و خالياً من الاحلام هذه المرة .
و قبل أن أصعد للفراش ، لمحتها ...
لمحت تلك الصورة ...
صورتها ...
الصورة التي احتفظت بها و أقسمت انها لن تغادر مكانها على الطاولة التي تجاور فراشي ، ما حييت .
و برفق أمسكت تلك الصورة ، و وضعتها نصب عيني في هدوء .
و أخذت أتأمل فيها بصمت .
و لكني ، لم أستطِع أن أتمالك نفسي قط
فأخذت الدموع تنساب على وجنتاي ...
كم ظلمتها ؟
كم أهملتها ؟
كم تجاهلتها ؟
حتى رحلت ...
لم أعرف كم أحبها حقاً إلا عندما تركتني
لم أعرف كم كانت مهمة بالنسبة لي إلا عندما تركتني ...
و لكن لا ...
لا ينبغي علي أن أجلس في مكاني هكذا ، أغرق في دموعي و أندب حظي هكذا .
لا ينبغي أن أجلس و أتحسر على أخطاء الماضي هكذا .
بل ينبغي علي أن أكون أكثير إيجابية ...
ينبغي أن أفعل شيئاً لأكفر عن ذنوبي .

تخمرت الفكرة كثيراً فقررت أن أنهض قائلاً في حسم : نعم فلأفعل .
عدت إلى منزلي في سعادة لم يسبق لها مثيل ، منذ أن رحلت هي ...
خطوت داخل المنزل بهدوء و ثقة غير معتادة ...
و بسرعة توجت نحو غرفة نومي ...
و فتحتها ...
و خطوت داخلها بثقةٍ أكبر و أكبر ...
و توجهت نحو الطاولة المجاورة لفراشي ...
و رأيت تلك الصورة ...
ثانيةً ...
و لكن هذه المرة ، لما أبكي قط ...
بل العكس تماماً ...
ابتسمت ابتسامة واسعة ...
للغاية .
و بنفس الابتسامة توجهت نحو فراشي ...
و استلقيت على ظهري في هدوء ، و أغمضت عيناي بدون أن تفارق تلك الابتسامة شفتاي .
فقد عزمت هذه المرة ، أن يكون نومي هادئاً و مطمئناً ...
و عميقاً .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" لقد رأيتها هنا "
قلتها و أنا أقف جامداً في مكاني و في نفس البقعة التي شاهدتها فيها مسبقاً .
وقفت في مكاني ثابتاً متأملاً ...
و مر الوقت شيئاً فشيئاً ...
و أنا أنتظر في صمت ...
و على النقيض ، كلما مر الوقت ...
كلما زادت حماستي أكثر و أكثر ...
و فجأة ...
و قبل أن يبدأ اليأس في أن يجد طريقه إلى قلبي
رأيتها قادمة نحوي من بعيد ...
كانت تبرق ككل مرة ...
و لكنها كانت أجمل و أجمل
شعرها الذهبي اللامع ينسدل على كتفيها  و يبرق كألف شمس
عيناها بدت أكثر زرقةً من ماء البحر ، و إن تشابها بإمكانية الغرق في كليهما
وجهها كان ينافسه شعرها في بريقه ...
و بصعوبة بالغة انتزعت نفسي من انبهاري بجمالها الشديد و تقدمت نحوها في صمت قائلاً : لقد فعلت كل ما كنتِ تريدينه مني يا حبيبتي ، فهل انتِ راضيةً عني الان ؟
أومأت مبتسمة قائلةً : نعم أدري .
قال لها متسائلاً : و كيف عرفتِ ؟
قالت له و قد اتسعت ابتسامتها : في مكاني ، لا يخفى علي أي شيء .
قال لها متسائلاً : و هل سامحتني الان ؟
قالت له : بالتأكيد ، لقد فعلت كل ما بوسعك ، و تخليت عن عنادك  الغير مبرر ، و هذا هو المهم .
ابتسم بارتياح ثم قال لها لهفة : ألن تعودي معي إذن ؟
أجابت قائلةً : كلا ، لا أستطيع أن أعود ، لما لا تأتِ معي أنت ؟
قال لها بعد ان فهم مغزاها : أليس الوقت مبكراً ؟
قالت لها متحمسة ً : كلا إن الوقت مناسب الان ، لقد فعلت كل ما بوسعك ، فأعطيت أخي الفرصة ، و سلمت الوثائق المهمة للشرطة ، و تركت العدالة تأخذ مسارها الطبيعي ، ألا ترى أن الوقت مناسباً ؟!
قال لها موافقاً : نعم انتِ على حق ، أنا آتٍ معك .
قال له : اتبعني إذن .
و بانبهار شديد تابعتها و هي تحلق في أعالي السماء
في البداية وقفت ثابتاً في مكاني اكتفي بالمشاهدة ...
و لكنها حدثتني قائلةً : فلتقفز فقط
ترددت في البداية و لكن بعدها قفزت ، و ما أروع تلك اللحظة ...
انني أطير فعلاً أطير ...
و بساعدة أخذت اتتبعها في صمت ...
و من فوق لمحت جسدي راقداً على الفراش مبتسماً ...
ابتسامة السعادة ...
الاخيرة .

















لا ترحلي

" أين ذهبتي ؟
قلتها في خفوت شديد و كأنما أخشى أن يسمعني أحد ، ثم بدأت ألتفت نحوي و أجول ببصري هنا و هناك آملاً بأن أراها ، بأن أجدها ، و لكن دون أي جدوى
يبدو أنها رحلت من جديد ...
تركتني كما فعلت مسبقاً ...
و كان ذلك كله بسببي أنا ...
فأنا من ظلمتها دوماً
و كم أنا نادم الان .
و لكن بما يفيد الندم ؟؟
أتمنى فقط أن أراها فقط ثانيةً ، عندئذ ، سأخبرها كم أحبها حقاً من قلبي ، سأخبرها كم أنا نادم على كل ما ارتكبته في حقها من ذنوب .
و لكن هيهات ، هل سترضى و ستصدق كلامي حقاً هذه المرة ؟
فكم من مراتٍ أخبرتها بتلك الكلمات البراقة الجميلة ؟
و لكني كنت قاسياً و أخلفت بكل وعودي بكل خسة و دناءة .
فهل ستصدقني هذه المرة ؟
لا يهمني إن كانت ستصدقني أم لا .
يكفيني فقط شرف المحاولة .
فقط لو أراها ثانية .
و لكن أين أستطيع أن أعثر عليها ثانيةً ؟
بالتأكيد قد رحلت إلى أبعد مكان ممكن ...
... و بلا عودة .
و لكن علي أن أحاول العثور عليها ...
... و بأي ثمن .
نهضت من مكاني في سرعة شديدة ، و توجهت مباشرةً نحو باب حديقة المنزل و خرجت إلى الشارع .
بدأت أنظر إلى كل ما حولي في يأس ...
كم بدا لي العالم واسعاً للغاية في تلك اللحظة ؟
و لكن لا ... لا ينبغي علي أن أيأس بتلك السهولة و البساطة .
ينبغي أن أحاول بكل جهدي أولاً .
أثارت تلك الأفكار الحماسة في نفسي ، فبدأت أركض في كل مكان ، أخذت أجول هنا و هناك .
و أسأل أصحاب المتاجر المجاورة لمنزلي : هل رأيتها ؟
لم أكن أيأس قط عندما يخبرني بأسف : كلا ، لم آرها .
لم تنقص حماستي و لو بمقدار ذرة واحدة ...
و لكن لكل شيء نهاية
حتى حماستي المتفجرة ... و آمالي الخيالية في العثور عليها
فقد بدأت تنقص شيئاً فشيئاً ...
حتى تلاشت و تخبرت أو كادت ...
و قررت بالفعل أن أعود أدراجي إلى منزلي حاملاً معي خيبة آملي الكبيرة و التي صدمتني و إن كنت أتوقعها .
و لكن شاءت الأقدار أن لا أعود منزلي بهذا الإحباط الشديد ...
فهناك و على مقربة من المنزل
ارتفعت معنوياتي من جديد ...
 و إلى أقصى حد
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
  لا أصدق عيني !
لقد رأيتها !
إنها هي و لا شك !
أنا واثق من ذلك أشد الثقة
كلا ، أنا واثق أنني لست واهماً حتماً
بل أنا أراها هي حقاً !
نفس طريقتها في السير
أوداجها منتفخة في شموخ
رأسها يتألق و كأنما يعلوه ألف تاج
و كانت تنظر إلي ...
نظرة تحمل الكثير من المعاني ...
و الكثير جداً
كانت تحمل الحب
و العتاب و اللوم
كانت مزيجاً عجيباً بين كل العشق ...
و كل البغض !
نظرت إليها في صمتٍ و خجل
حاولت أن أقول الكثير و الكثير جداً
و لكن الكلمات وقفت في حلقي جامدة و أبت أن تعبر شفتاي .
حاولت أن أعتذر ، أن أخبرها كم أحبها ، و كم أنا نادم على كل ظلم ظلمته لها ؟
و حاولت أن أعدها بأنني لن أكرر هذا مجدداً قط ، و لكنني عجزت
و لكنها فهمت كل ما أريد قوله .
قرأت قل ما يجوب بعقلي في تلك اللحظة .
و بدت عيناها تفيضان بنظرات السخرية و الاستنكار ، كانت تقول لي بأنها متيقنة بأني سأخلف بوعودي كالعادة ...
و ظل الموقف جامداً كما هو للحظات ، بدت لي كالدهر ، تبادلنا فيها العديد من النظرات كانت تحوي الكثير من الكلمات
و فجأة ، و بدون مقدمات ، استدارت و أخذت تبتعد في صمت ...
و هنا نزعت عن نفسي حبل الهدوء و قطعت حبل الصمت صارخاً بأعلى صوتي :
لا ، لا ترحلي ، عودي ارجوكِ .
و لكنها واصلت ابتعادها بدون أن تلتفت إلي .
هتفت مجدداً و أنا أركض مسرعاً لألحق بها : أرجوكِ سامحيني ، أرجوك عودي .

و لكنها ابتعدت عن انظاري تماماً ، فتوقفت عن العدو و صرخت يائساً و الدموع تترقرق من عيناي : لا ترحلي ، أرجوكِ .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 " لا "
صرخت بها بأعلى صوتي و أنا أنهض مفزوعاً أيما الفزع من على فراشي ، و أخذ أن ألهث بعنف ، و كأنما كنت أركض في الواقع و ليس في مجرد حلم .
نهضت من على فراشي ، و ذهبت لتناول كوباً من الماء .
قم عدت لأتابع نومي ، آملاً أن يكون هادئاً و خالياً من الاحلام هذه المرة .
و قبل أن أصعد للفراش ، لمحتها ...
لمحت تلك الصورة ...
صورتها ...
الصورة التي احتفظت بها و أقسمت انها لن تغادر مكانها على الطاولة التي تجاور فراشي ، ما حييت .
و برفق أمسكت تلك الصورة ، و وضعتها نصب عيني في هدوء .
و أخذت أتأمل فيها بصمت .
و لكني ، لم أستطِع أن أتمالك نفسي قط
فأخذت الدموع تنساب على وجنتاي ...
كم ظلمتها ؟
كم أهملتها ؟
كم تجاهلتها ؟
حتى رحلت ...
لم أعرف كم أحبها حقاً إلا عندما تركتني
لم أعرف كم كانت مهمة بالنسبة لي إلا عندما تركتني ...
و يا لتيها تركتني أنا فقط ...
يا ليتها رحلت عني أنا فقط ...
بل رحلت عن الدنيا ...
كلها . 
لقد أحببتها من أول نظرة !
لقد كانت دجاجتي الحبيبة .
و التي رحلت عن الدنيا ، بسبب انشغالي عنها ، بسبب إهمالي لها ، بسبب أنانيتي المفرطة .
لقد تركتها حتى هربت لتدهسا الأقدام القاسية ، التي لست أقل قساوة منها .
فالوداع يا دجاجتي الحبيبة !

الوداع !

 --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كم أحبكِ كثيراً يا دجاجتي : سأظل أعشقك ما حييت .
لا ترحلي و تتركيني يا دجاجتي : هيا ارجعي معي للبيت
ارجعي و اعطني البيض يا دجاجتي : كي أصنع طبق الاومليت

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

رائد

القصة طويلة بعض الشئ لذلك يمكن تحميلها على صيغة PDF من هذا الرابط :
http://www.mediafire.com/?ubb1i3gp5jo8ebj
1 -الحلم
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" ابنكما لديه نشاط جم و طاقة كبيرة "
" انت محق من الصعب أن توقف حركته "
" عليه أن يستثمر تلك الطاقة فيما يفيد عندما يكبُر "
--------------------------------------------------------------
" انت موهوب حقاً يا رائد و لديك قدرات عقلية و بدنية عالية "
" شكراً لك يا أستاذ "
" واجبك تنميتها و استثمارها ، بهذا أتوقع لك نجاحاً باهراً فيما يفيد البشرية "
يفيد البشرية
يفيد البشرية
يفيد البشرية ..........................................................
--------------------------------------------------------------
ترددت الكلمة الاخيرة مرات عديدة في ذهن رائد و هو يستعيد أفضل ذكريات حياته  .
كان كل من يراه دوماً يُعجب به و بذكائه و بقدراته البدنية الفريدة .
و تنبأ له جميع أساتذته في مختلف مراحله الدراسة بمستقبل باهر و أنه سيكون ذا شأن يوماً .
استعاد ذهنه كل هذه الافكار بسرعة ، ثم غرق مجدداً في بحر الذكريات و ربما لأخر مرة في حياته ......
--------------------------------------------------------------
" إلام تنظر يا بُني "
" أنظر إلى النجوم و إلى القمر ، إلى هذا الفضاء الواسع و الذي ينتظر من يستكشفه "

" لديك مقدار كبير من العلم يا ولدي فعدني على استثماره فيما يفيد البشرية "
" أعدك يا أبي "
عمت السعادة وجهي كل من والدة رائد و أخته بعد أن عاد رائد بنتيجة الثانوية العامة و قد حصل على درجات تؤهله أي كلية يتمناها .
و قال رائد محدثاً عندما سألاه عن رغبته اياهم مستغلاً هذا الجو البهيج :
" لقد قررت بالفعل و اخترت طريقي .
قال الام متسائلةً : خيراً يا ولدي ؟
رد رائد : لقد قررت أن أكون رائد فضاء  
قالت الاخت و هي تقهقه ضاحكة :
دعابة لطيفة يا رائد ، و هل لأن اسمك رائد من الضروري أن تكون رائد فضاء ؟
قال رائد في حزم : أنا لا أمزح يا ريم أنا جاد في كلامي بالفعل .
قالت ريم و قد تلاشت ابتسامتها و تحولت إلى عبوس غاضب : ماذا تقول يا رائد ؟ هل تريد أن تٌضيع كل مجهوداتك و كل ما أنفقه والدنا – رحمه الله – بما ستفعله هذا ؟
قال رائد : و من قال ان مهنة رائد الفضاء ستضيع كل هذا يا أختي ؟ انها مهنة عظيمة تتيح لنا اكتشاف خبايا هذا الكون و إعجاز الخالق فيه ، انها مهنة عظيمة .
قالت الأم هذه المرة في غضب : يا رائد انها مهنة لا تسابنا مطلقاً .
التفت رائد إليها متسائلاً : و لما لا يا أمي ؟ لما لا ؟!
قالت ريم : لأننا حتى لا نملك محطات فضاء في بلدنا .
قال رائد : و ما المشكلة في هذا ؟ كم من رواد فضاء عظماء برزوا بدون أن تكون بلدهم من دول الفضاء .
لقد خططت للأمر جيداً ، في البداية أدرس في الجماعة ، و سأجتهد للحصول على أعلى الدرجات ، ربما أعمل في وظيفة بسيطة في البداية ، و لكني واثق أن مجهوداتي لن تضيع سُدى أبداً .. أبداً .
قالت الام في استسلام : وفقك الله يا ولدي فيما تريد مهما كان .
--------------------------------------------------------------
" آنسة هدى "
بهاتين الكلمتين استوقف رائد هدى أحد زميلاته في الجامعة و جارته أيضاً فالتفتت إليه بسرعة توحي بأنها كانت تنتظر هذا قائلةً : أهلاً يا رائد ، هل ترغب بشيء ما ؟
قال رائد : في الحقيقة أود أن أشكرك على مساعدتك لي بالمحاضرات التي كانت تفوتني  ، و أود أن أعتذر ان كنت قد سببت لك أي إزعاج ، فلقد تغيبت كثيراً في الفترة الأخيرة لمرض والدي .
قالت هدى و قد بدا علي وجهها خيبة الامل : لا تقل هذا ، هذا واجب الزملاء ، و أنا لست زميلتك فحسب بل جارتك أيضاً .
قال رائد : شــ... شكراً
قال و كأنما تتشبث بأدنى أمل : هل .. هل تريد شيئاً أخر ؟
قال رائد في تردد : نــ... نعم
قالت و قد انتفض قلبها بشدة : ماذا ؟
قال رائد بتلعثم : في ... في الحقيقة ، كنت أرغب في ... في ...
قالت هدى تستحثه على المتابعة : ماذا يا رائد ؟ اسرع من فضلك ، فلقد تأخرت
قال رائد في سرعة و كأنما قد حسم من أمره :
في الحقيقة كنت أتساءل ان كنت تستطيعون استقبالي أنا و امس يوم الخميس القادم .
ابتسمت هدى في مزيج من السرور و الخجل و تنفست الصعداء و هي تقول : بلى ، بالطبع يمكننا المجيء في أي وقت ، فأنت لست ضيفاً .

قال رائد في سعادة غامرة : إذن سأخبر أمي و أختي و سنأتيكم في تمام  السابعة ، و آمل أن أجد لديكم مشروب كريم الصودا فأنا أحبه كثيراً .
 " لقد حصلت على الدكتوراه يا أمي "
قالها رائد و هو يواجه أمه بسعادة بالغة
فقالت الام بسعادة غامرة : حقاً ؟!
قال رائد و قد كاد يطير فرحاً : نعم و أخيراً بعد كل هذه السنوات من التعب و الاجتهاد ، و الان سأذهب لأبشر هدى .
قال ريم : لا أريد أن أفسد عليك أفراحك يا أخي و لكن هل ستزيد الدكتوراه من راتب عملك في ذلك المرصد الفضائي ؟
قال رائد في ضجر : أنت لا تفكرين سوى في المال ، فكري قليلاً في المجد العلمي ، لقد تعلمت الكثير و الكثير لأحصل على الدكتوراه و هذا سيفديني كثيراً في أبحاثي .
قال ريم ضجر أكبر : و هل ستفيدنا أبحاثك تلك عندما لا نجد ما نأكله !!!
قال رائد في حنق : الكلام معك لا يفيد أبداً يا عدوة العلم .
قال ريم : أنا لست عدوة العلم ، لكني عدوة الجوع
قال رائد في تحدِ : إذن لا مصروف هذا الشهر جربي ، إذن طعم الجوع .
قال ريم في فزع : من يهتم بالطعام ، العلم ثم العلم ثم العلم ، العلم هو مقياس تقدم الامم ..... انتظر قليلاً انت لم تعطني المصروف بعد ، النجدة يا أمي
--------------------------------------------------------------
" و الفائز بجائزة الدولة في علوم الفضاء و الاجرام السماوية هو : ( د. رائد جمال )
لم يكد رائد يسمع اسمه حتى قفز من مقعده بعنف كالأطفال ، حتى أنه أخذ ينظر حوله خجلاً ، ثم صعد إلى منصة التكريم ليتسلم جائزته .
و ما ان تسلمها حتى سأله المذيع قائلاً : هل ترغب في قول شيء يا د. رائد ؟
قال رائد : أود أن أحمد الله على هذه الجائزة ، فهي تكريم لمجهوداتي طوال فترة دراستي

لقد اقتحمت هذا المجال برغم معرفتي بأنه غير شائع في بلدنا و برغم .. انتقادات البعض . قالها و أختلس نظرة إلى أخته - التي كانت جالسة مع والدته و صديقه سامح وسط الجمهور  - فأخفضت رأسها في خجل فتابع : و أود أن أهدي تلك  الجائزة إلى روح والدي – رحمه الله – الذي تعب كثيراً من أجل توفير النقود لمشواري التعليمي  و أن أشكر كذلك والدتي و أختي و مخطوبتي و صديقي الذين ساندوني كثيراً .
و أخيراً أقول : مهما كان حلمك مستحيلاً لا تتنازل عنه أبداً ، تمسك به إلى النهاية ، فحتماً سيتحقق بإذن الله .
عاد رائد إلى منزله مبكراً بساعة كاملة مما أثار دهشة كل من والدته و أخته و مخطوبته – التي كانت في زيارة لهما – مما دفع رائد بأن يقول : انظروا إلى هذه الورقة
اختطفت ريم الورقة بسرعة : و قرأت ما فيها و لم تكد تنتهي من قراءتها حتى قالت لرائد في سرور و هي تناول الورقة لهدى : لا اصدق ما أرى ، هل أنا في حلم
قال رائد : بل صدقيه يا ريم  لقد نجحت أخيراً
قالت : أعتذر منك يا رائد لقد هاجمتك كثيراً و شككت في قدراتك ، مبارك لك .
قال رائد ضاحكاً : أنا أعرف بأن هذا الكلام الانيق هدفه زيادة المصروف ، و بكل دبلوماسية سأضاعفه له .
في هذه اللحظة كان هدى قد انتهت من قراءة الورقة هي الاخرى و قالت بتأثر : أخيراً سنتزوج يا رائد أخيراً .
ابتسم رائد و هو يقول : نعم أخيراً يا هدى ، أخيراً بعد كل هذه السنوات .
و انتهت والدته بدورها من قراءة الورقة فقفزت قفزة لا تتناسب قط لتحتضن ابنها مع عمرها و هي تقول باكيةً : لم أشك يوم فيك يا ولدي كنت دائماً مؤمنة بقدراتك ، لقد كان الناس يحسدوننا عليك دوماً ، و لقد تنبئوا لك بمستقبل باهر و أنت لم تخيب آمالهم قط .
قال رائد بتأثر : رويدك يا أمي لا تبكي أرجوك ، هذا ضار بصحتك  .
و سقطت الورقة من يدها تلك الورقة التي حملت السعادة لهم جميعاً ورسمت البسمة على وجوههم و قد كان نصها :

يسر إدارة وكالة ناسا لأبحاث الفضاء أن تتقدم للسيد رائد جمال محمد بعرض للعمل كرائد فضاء في الوكالة براتب قدره عشره الاف دولار شهرياً ، بالإضافة إلى المكافئات و ذلك بعد الخضوع للاختبارات اللازمة.  
في حالة الموافقة يرجى إخطارنا برسالة عبر البريد الالكتروني المرفق مع تقديم كافة الاوراق اللازمة .
و سيتم إرسال تذكرة السفر مع استخراج التصاريح و التأشيرات اللازمة 


2 – و تحقق الحلم
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" لا استطيع تحمل ابتعادك عنا يا ولدي "
قالتها والدة رائد وهي تبكي بشدة . فقال رائد محاولاً التخفيف عنها  :أرجوك يا أمي لا تبكي ، فكري في ما يمكنني تحقيقه و في المال الذي سأجلبه لكم ، لقد كنت سعيدةً جداً عندما عرفتي بهذا العرض .
قالت الام و هي تحاول التماسك : انت محق يا ولدي ، هيا امضي قدماً نحو المزيد يا ولدي و ارفع رأسنا في الخارج ، هيا .
ابتسم رائد ابتسامة واسعة و يعد بقولها هذا ثم انتقل إلى توديع أخته ريم قائلاً : لا تقلقي سأرسل إليك مصروفك المضاعف مع بداية الشهر تماماً بدون أي تأخير .
قالت مبتسمة : و هل تقدر على تأخيره ؟
ابتسم ثم التفت إلى هدى قائلاً : لا تقلقي ، سأدخر كل ما استطيع من مال لنتزوج بأسرع وقت .
قالت هدى و هي تحاول مقاومة دموعها : و أنا أنتظر ذلك اليوم على أحر من الجمر .
و أخيراً التفت إلى صديقه سامح و هو يستوصيه قائلاً : ارجوك يا صديقي انتبه إليهم جيداً و اعتبرهم مثل أهلك .
قال سامح و هو يربت على كتفه : انهم اهلي بالفعل يا رائد ، انطلق انت و لا تقلق من أي شيء .
ربت رائد على كتفه ممتناً ثم توجه نحو الطائرة و هو يلوح لهم بيده مودعاً .
و صعد رائد إلى الطائرة

و مع العديد و العديد من الأحلام و التي يتمنى تحقيقها ...
" مبهر يا رائد "
قالها مدير مركز التدريب الكس بوكالة ناسا الفضائية محدثاً رائد الذي خرج من غرفة تدريبات الرواد الجدد .
ثم تابع قائلاً : لقد اجتزت كل الاختبارات و اديت كل التدريبات ببراعة منقطعة النظير ، بمعدلات أفضل من هم أكثر خبرة منك حتى .
قال رائد متسائلاً : هل يعني ذلك انني جاهز للذهاب في رحلات استكشافية خارج الأرض ؟
قال المدير مبتسماً : نعم ، انت الان مهيئ تماماً لذلك .
قال رائد في فرحة غامرة : أشكرك كثيراً يا سيدي ، و أرجو منك أن تكتب تقريراً بهذا في أسرع وقت ممكن .
قال الكس وهو يتوجه إلى مكتبه : اتبعني .
تبعه رائد حتى وصل إلى باب زجاجي أنيق فتحه الكس ببطاقة ليزرية . و في الداخل لم تكن الغرفة أقل اناقة من الباب ، يكفي القول بأن كل ما يمكن من الزجاج كان موجوداً بالداخل.
جلس الكس على مقعده و دعا رائد إلى الجلوس ، ثم أختطف ورقةً و قلماً و أخذ يخط عليها الكلمات و أخيراً ذيلها بتوقيعه و ختم الوكالة .
ثم أعطاها لرائد قائلاً : خذ يا رائد خذ .....
اختطف رائد الورقة و قرأها بسرعة ، و ما أن انتهى من قراءتها حتى تهللت أساريره و قال للمدير : شكراً جزيلاً لك يا سيدي على التقرير .
قال الكس مبتسماً : بل شكراً لك أنت يا رائد.. شكراً جزيلاً لك .
قال رائد متعجباً : لما تشكرني يا سيدي ؟!
أجاب الكس : لأنك وافقت على العمل هنا يا رائد ، لقد ظفرنا برائد فضاء لا مثيل له ، هيا امضِ في طريقك يا فتى .

خرج رائد من مكتب المدير بعد ان بلغت فرحته مداها ، ثم اخذ يقفز كالمجنون ( بعد أن تأكد من عدم متابعة أحد له هذه المرة ).
عبرت تلك الذكريات السعيدة ذهن رائد بسرعة خاطفة أثناء جلوسه وحيداً في مركبة الفضاء التابعة لوكالة ناسا في رحلته الأولى في الفضاء تلك الرحلة العجيبة و ذلك لأنها كانت ، الرحلة الأولى .... و الأخيرة في وقت ذاته !!!
جلس رائد صامتاً في المركبة تتجه به إلى مصير واحد  ....  الموت المحقق .
 جلس يستعيد تلك الذكريات .
الذكريات التي أسعدت قلبه و أبكته في الوقت ذاته ، و لكنه استسلم لها لأنها أراحته بصورة غريبة ، و وسط تلك الذكريات السعيدة تسللت تلك الذكرى السيئة الخبيثة و الأخيرة في حياته ، تلك الذكرى التي وضعته في هذا الموقف الذي لا يُحسد عليه ، التي جعلته يجلس مستسلماً بانتظار الموت المحقق تلك الذكرى التي جعلته يكره حلمه الكبير بأن يصير رائد فضاء  .

دست تلك الذكرى نفسها وسط ذكرياته السعيدة و بذلت قصارى جهدها للتسلل إلى عقله ، و لكن رائد لم يستسلم بسهولة ، بل أخذ يقاوم بكل ما أوُتي من قوة ليمنعها من تحقيق رغبتها لكنها كانت أقوى منه ، كانت أكثر شراسة ، أبت أن تخرج من الصراع مهزومة ، فلم يجد بداً من الاستسلام لها ، و انسابت هي إلى عقله في صمت .
" الشهر القادم "
قالها رائد لهدى في سعادة ثم تابع قائلاً :
كل شيء جاهز ، لقد اشترينا كل ما نحتاج ، لذلك سيكون حفل الزفاف مع مطلع الشهر القادم ، ما رأيك ؟
قالت هدى بسعادة بالغة و هي تصفق بكفيها في جذل : موافقة تماماً .
قال رائد : سأذهب الاسبوع القادم لحضور اجتماع طارئ لرواد الفضاء في الوكالة ، و سأعود بسرعة لاستكمال التجهيزات .
لم يدر و هو يقولها انه ليس فقط مجرد اجتماع طارئ لرواد الفضاء بل انه اجتماع لاختيار الشخص الذي يقبل بوضع توقيع مكروه و على ورقة مكروهة ، لاختيار شخصاً يقبل التوقيع على ........

.... شهادة وفاته


3 – رحلة الموت
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان الاجتماع المنتظر عادياً من حيث الشكل و لكنه لم يكن كذلك على الإطلاق من حيث المضمون .
كان عدد الحاضرين كبير نسبياً بالنسبة إلى هذا النوع من الاجتماعات و كان يرأس الاجتماع – على غير المعتاد - مدير الوكالة شخصياً ، و كان يجاوره مدير مركز التدريب .
 و طوال دقائق الاجتماع الاولى لم يتفوه أحد بكلمة على الإطلاق ، و ساد القاعة صمت مُهيب ، و أخيراً بعد مدة لا تقل عن الدقائق الخمس ، تحدث مدير الوكالة بعد أن تنهد بعنف : لست أدري بماذا أبدأ ، و لكن لا يسعني سوى أن أقول أن الأرض في وضع لا تٌحسد عليه أيها السادة .
أثارت جملته هذه موجة من القلق الشديد في نفوس الحاضرين .
فتساءل أحد الحاضرين من الرواد : ماذا تقصد يا سيد إدوارد ؟ أقلقتنا !
قال السيد إدوارد : سيوضح مدير مركز الرصد السيد ويليام بالأمر كاملاً.
و ما أن أنهى السيد إدوارد عبارته حتى تقدم من خلفه رجل نحيل و طويل القامة أشيب الشعر بالكامل و يحمل عصا رفيعة قال : سأوضح لكم الامر على هذه الشاشة أيها السادة .
لم تكد عبارته تكتمل حتى اشتعلت الشاشة المقابلة لهم بصورة للفضاء الواسع ، فأشار بعصاه على الشاشة فظهر صورة مجسمة لكوكب الارض وسط هذا الفضاء السرمدي الممتد إلى ما لا نهاية .
و بمجرد ظهور الارض على الشاشة قال ويليام : كما ترون هذه صورة مجسمة للأرض عند رؤيتها من الفضاء . قالها ثم ضغط مجدداً على الشاشة بعصاه فتقلصت زاوية الرؤية و تقلص حجم الأرض في الصورة و ظهرت مساحة أكثر اتساعاً من الفضاء السرمدي الواسع الممتد حول الارض ، و ضغط ضغطة ثالثة ، و مرت بضع ثوانٍ بدون أن يتغير شيء في الصور ، و فجأة و بدون سابق انذار ، ظهر حجر بني اللون ، غريب الشكل ، كبير الحجم نسبياً ، متعرج الحواف ، تيقنوا من أنه نيزكاً ضخماً .
و اتجه الحجر في مسار متعرج عجيب نحو الأرض مباشرةً .
و أخذ يلتهم المسافة بينه و بين الارض في نهم شديد .
و أخيراً حدث ما هو المتوقع تبعاً لمساره ...
...  اصطدم بالأرض
و برغم أن الاصطدام كان افتراضياً لا يتجاوز حدود الشاشة الرقمية و لم يحدث على أرض الواقع ...
إلا أن أجسام جميع الحاضرين قد ارتجفت في عنف
ففي الصورة تدمر نصف الكوكب تقريباً ، و قد اثار ذلك تعجب الرواد لأن ذلك النيزك برغم ضخامة حجمه ، لم يبدُ عليه أنه قادر على تدمير نصف الارض بهذه الصورة المخيفة !
و بعد دقائق أخرى من الصمت المتوتر قال ويليام في اسى : أظن أن واضح أمامكم أيها السادة .
قال رائد : أعذرني يا سيد ويليام و لكن هل يمكنني التحدث ؟
قال ويليام : و لكن ، من أنت يا هذا ؟
عند هذه النقطة تدخل السيد الكس قائلاً : انه رائد من مصر احد الرواد المنضمين حديثاً ، و لكن موهوب بطريقة لافتة للنظر .
قال السيد ويليام : حديثاً ؟! لهذا لم أرَك قبلاً إذن ، حسناً تكلم يا رائد .
قال رائد : لماذا لا نوجه صاروخ ما نحو هذا النيزك و نفجره و نتخلص من هذا الكابوس ؟!
قال ويليام في ضجر و هو ينظر إليه نظرة معلم تلقى من أحد تلاميذه سؤال غبي : توقعت هذا السؤال .
ثم استطرد قائلاً : هل تعتقد أننا لم نفكر في هذا الأمر قبلك ؟ بل فكرنا في هذا بالفعل بل و توصلنا إلى أن هذا أفضل حل لأن حجم النيزك الكبير سيؤدي إلى ابتعاد الشظايا الناتجة على الانفجار بعيداً ولقد أطلقنا ثلاثة صواريخ بالفعل ، و لكن ...
فقال رائد في تساؤل : و لكن ماذا يا سيد إدوارد ؟
أثارت كلمته الاخيرة تلك موجة من التوتر بينهم ، فتابع قائلاً :  لم يُصِب صاروخ واحد هدفه .
قالها و توجه و ضغط بالعصا على الشاشة مجدداً فظهرت كوكب الارض مجدداً في الفضاء السرمدي الواسع و النيزك يتوجه إلى الارض و لكن بعض ثوانٍ خرج من كوكب الارض شكلاً مجسماً لصاروخ ضخم يتوجه نحو النيزك في سرعة و أخذ الصاروخ يقترب من النيزك
 و يقترب ...
 و يقترب ...
حتى أصبح على بعد ضئيل جداً من النيزك و فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان غير النيزك من موضعه و انحرف عن مساره ليتفادى الصاروخ  .... نعم عزيزي القارئ انت لم تُخطئ القراءة ، لقد تفادى النيزك الصاروخ  ، في تحدٍ سافر لكل قوانين الطبيعة المعروفة.
و عاد الصمت مجدداً للقاعة .
 و لكنه كان يحمل نكهة ً مميزةً جداً هذه المرة

.... نكهة الموت
" مازال هناك أمل واحد "
قالها السيد إدوارد
فعاد الدم إلى وجوه الحاضرين بعد أن أوشك على الاختفاء تماماً .
فتساءل رائد : و ما هو ذلك الامل يا سيدي ؟
قال ويليام : هذا الامل هو السبب في هذا الاجتماع .
صمت برهة ثم تابع : لا مفر من التضحية .
قال أحد الحاضرين : ماذا تعني يا سيدي ؟
قال ويليام : لدينا نوع من الصواريخ كبير الحجم و عندما يقترب من هدفه بمسافة كافية ينقسم إلى عدة صواريخ بلاستيكية أصغر حجماً و أكثر ضغطاً و تنقسم هي بدورها بحيث يطوقون الهف من كل الجوانب و تصبح إصابته حتمية .
و لكن المشكلة ان إطلاقه غير ممكن من هنا لذلك لا حل سوى إرسال أحدكم في مركبة فضائية مجهزة ، ليفجر النيزك ، و لكنه ....
ثم صمت لثوانٍ بدت للجميع كدهر قبل أن يتنهد بحراره و هو يتابع :
سينفجر مع النيزك أو على الاقل ستصيبه أحد شظاياه للأسف .

أثار قوله هذا القلق في نفوس الرواد .
فقال ويليام :
بصراحة نحتاج من أحدكم بالقيام بهذه المهمة النبيلة ؟ من أجل الارض و من أجل البشرية ؟
فهل نجد فيكم ذلك الرجل ؟
سادت حالة من الوجوم و الترقب في القاعة ، مما دفع ويليام بأن يقول : تذكروا أن الموت آتٍ لا محاله ، فالكارثة ستحل  والأرض فانية لو لم نحاول درء ذلك الخطر0

 و لكم الاختيار لكم بين الموت يائسين ، أم الموت بشجاعة من أجل منح الحياة لغيركم .
---------------------------------------------------------------------
" لديك مقدار كبير من العلم يا ولدي فأحرص على استثمارها فيما يفيد البشرية "
" أعدك يا أبي "
ترددت في ذهن رائد تلك الكلمات من حديثه القديم مع والده
مما جعله يحسم من أمره و يتخذ قراره ...
... الأخير
   " أنا سأذهب "
قالها رائد في حسم بعد، فالتفت جميع الحاضرين إليه بنظرة تحمل مزيجاً من الدهشة و الإعجاب ، و قال له ويليام في سرعة و كـأنما يخشى أن يغير من رأيه : هل هذا قرارك الاخير ؟
قال رائد في حزم : بلى .
أشار إليه ويليام قائلاً : إذن اتبعني أنا و السيد الكس .
تبعهما رائد ، بينما أشار السيد إدوارد لباقي الرواد بالانصراف .
حتى وصلا إلى باب مفتوح و كأنما كان ينتظر هو الاخر قدومهم ، و في الداخل كانت هناك قاعة واسعة وشاشة عرض تشبه إلى حد كبير نظيرتها في قاعة الاجتماع باستثناء اختلافها في اللون و الحجم فقد كانت أصغر قليلاً .
و انتظروا بضع ثوانٍ لحين وصول السيد إدوارد ، حتى دخل فأغلق الباب خلفه .   
و بمجرد إغلاق الباب ، قال ويليام محدثاً الكس : أولاً ، اسألك يا سيد الكس ، هل انت واثق أن رائد مُهيئ تماماً لتلك المهمة ؟
قال الكس : تمام الثقة ، برغم انه لم يقم بأي رحلة للفضاء من قبل .
ارتفع حاجبا كلاً من ويليام و إدوارد في دهشة بالغة  ، و قال الثاني مستنكراً : و كيف نرسل شخصاً لم يرى الفضاء قط إلى مهمة كهذه ؟!
قال الكس : اؤكد لكما انه مؤهل تماماً و قادر على إنجاز المهمة ، و أضمن لكما ذلك .
قال إدوارد في شك : المهمة لا تحتمل المخاطرة او التجربة يا سيد الكس .
زفر الكس في عمق قال الكس : ليس لدينا خيار آخر على أي حال .
قال ويليام : انت مُحق يا سيد الكس ، ليس لدينا خيار آخر .
صمت قليلاً ثم قال : انصت إلي يا رائد ليس لدينا وقت نضيعه لذلك ستكون رحلتك في الغد .
اصاب ذلك رائد بصدمة كبيرة و تسمر موضعه للحظات ، فقد كان يتمنى أن يعود لوطنه و لو لدقيقةً واحدة ، كان يتمنى أن يلقى مجرد نظرة على أهله ، و لكنه تذكر أهمية عمله و تذكر أنه سيبذل حياته من أجلهم ، لذلك قال بعد تنهيدة حارة : لا بأس يا سيدي ، لا بأس .
قال ويليام بارتياح : جيد ، و الان انصت إلي ، ستصعد على متن سفينة فضاء مجهزة بأن تبقيك متنفساً لمدة 8 أسابيع ، و هي أضعاف المدة التي تحتاجها فعلياً و ذلك تحسباً لحدوث أي خطأ طارئ ، عندك وصولك للهدف عليك التصويب عليه بدقة قبل الاطلاق ، و على أي حال سيكون لديك أكثر من صاروخ في حال لم تُصب في مُحاولتك الاولى .

و سيشرح لك مدير مركز المحركات الامر بالتفصيل في ساحة الاطلاق .
" وداعاً يا سيد الكس "
هتف بها رائد مودعاً السيد الكس، فقال السيد الكس في محاولة فاشلة للتظاهر بالتماسك : وداعاً يا رائد ، و أحييك كثيراً على شجاعتك النادرة ، صدقني أنا حزين للغاية لفقدان شاب مثلك .
قال له رائد : هذا واجبي يا سيد الكس و قدري الذي كتبه الله لي ، و لكني أرجوك أن ترعى أهلي و مخطوبتي جيداً و ألا تتركهم وحدهم أبداً .
قال الكس بتأثر : لا تقلق بهذا الشأن يا أمجد فأنا لن أتركهم قط .
 و صعد رائد للمركبة بدون أن يبادله أي كلام آخر .
و الكس يتابعه في حزن .
و بدأ العد التنازلي .... و مرت الثوانٍ على رائد كلحظة عابرة
و أخيراً انطلقت المركبة إلى الفضاء ..... و إلى الهلاك المحتم .
و في الاسفل قال ويليام لالكس : يا له من شاب شجاع حقاً ، و لكن هل تعتقد بأنه سينجح ؟

قال الكس : بل أنا واثق من هذا ، لقد دربته بعناية ، ولقد اظهر موهبةً فطرية ، من المؤسف حقاً أن نفقد شخصاً كهذا .
قال ويليام مواسياً : و لكنها حياة فرد أمام حياة كوكب بأكمله .
وافقه الكس بإيماءة من رأسه و إن لم يقلل هذا من حزنه قط .
" وصلت المركبة إلى الهدف "
أيقظت تلك الجملة الآلية من حاسوب المركبة رائد من بحر ذكرياته العميق ، فأنتفض بشدة و التفت إلى ما حوله ، كان الفضاء أسوداً جامداً صامتاً كالعادة ، و لكن ثمة شيء واحد مختلف ...
.... حجر بني ضخم متعرج الحواف يسبح أمامه مباشرة و كأنما يتحداه ، و بمجرد أن رآه انتفض رائد في غضب و قال و كأنما يتحدث إليه : إذن ها أنت أيا الوغد ، أنت الذي ستودي بحياتي قبل حفل زفافي بأيام ، و ستطيح بسعادتي ، و لكن هيهات لن تنجو بفعلتك أبداً .
قالها ثم أسرع إلى قاعدة إطلاق الصواريخ في المركبة ، و كما تلقى تدريباته ، صوب بدقة تشُف عن مهارة فذة هو يقول :
 من أجلك يا أمي ...
من أجلك يا ريم ...
من أجلك يا هدى
من أجلك يا سامح
من أجل ثقتك الغالي بي يا سيد الكس
من أجلك يا أبي
من أجلكم جميعاًً ، و من أجل البشرية و من أجل الارض .
سأبذل حياتي لأُزيح هذا الخطر اللعين .
ثم ضغط على زر الإطلاق ....

... و انطلق الصاروخ نحو الهدف تماماً .
 " لقد نجح الفتى "
قالها السيد ويليام و هو يشير إلى شاشة الرصد فتوجهوا جميعهم بنظرهم إليها ، فتابع قائلاً : انظروا لقد تفجر النيزك و ها هي شظاياه تدور في الفضاء بعيداً عن الارض تماماً .
و في الصورة كان الوضع يؤكد كلامه ، كان الارض شامخة في الفضاء تكمل دوراتها في أمان ، و قد تلاشى ذلك النيزك و آثاره تماماً باستثناء بعض الشظايا الضئيلة و التي لا تُمثل تهديداً يُذكر على الارض .
فقال الكس في ارتياح : و أخيراً انزاح ذلك الكابوس ، و لكننا للآسف دفعنا ثمناً باهظاً بخسارتنا رجلاً مثل رائد .
قال إدوارد : و لكنه كما قلت لك سابقاً مهما كانت مهارته و موهبته كما تقول انت رجل في مقابل كوكب بأكمله .
قال الكس : أدري و لكن ....

بتر عبارته فجأة و قد اتسعت عيناه بشدة و هو ينظر إلى شاشة الرصد ، فالتفت الجميع إليها في فضول ليروا ما أثار دهشته . و هذه المرة اتسعت عيون الجميع بلا استثناء ، فلقد كان ما رأوه مذهلاً و مستحيلاً بكل المقاييس
" مستحيل "
هتف بها ويليام و هو ينظر في الشاشة ، التي أظهرت مشهداً مذهلاً  ...
مذهلاُ للغاية
 فلقد كانت هناك سفينة فضاء تسبح في الفضاء الواسع تتجه إلى الارض ، سفينة بدت مألوفة جداً لديهم ...
... سفينة رائد  
و ايقظهم من دهشتهم هذه صوت صفير جهاز الاتصالات و الذي أشار إلى طلب اتصال مرئي

و تضاعفت دهشتهم تلك مرات و مرات
فلقد كان ذلك الطلب من سفينة رائد
 فضغط ويليام على زر الموافقة بالحال ، و ما هي إلا لحظات حتى تم الاتصال .... و ظهرت على الشاشة صورة آخر رجل يتوقعون رؤيته الان ....
... صورة رائد
الذي قال بمجرد رؤيتهم على شاشته باسماً : مرحباً أيها السادة ، هل افتقدتموني كثيراً ؟!
صرخ الكس في لهجة تجمع بين السرور و الذهول : كنت أعرف انك ستفعلها ، لم اشك لحظة في ذلك قط .
قال ويليام : مستحيل ، هل أنت حي حقاً ؟!!
قال رائد : كما ترى ، حي و بصحة ممتازة أيضاً .
قال إدوارد : و لكن كيف ؟ كيف ؟!
قال رائد : حتى أنا لست أفهم كيف ، و لكن ما حدث هو أني قد أطلقت الصاروخ تجاه النيزك بكل ما اوتيت من مهارةً في تصويب ، و لكن حدث تنافر عجيب بين الصاروخ و النيزك ، جعل الصاروخ ينحرف قليلاً ، و لكن الصاروخ انقسم انقسامات متتالية بشكل جعله يطوق النيزك من كل الجوانب ، حتى أجهز عليه أخيراً ، و قد كنت أتوقع انفجاراً مروعاً ، يطيح بي تماماً ، و لكن حدث شيء أثار ذهولي فهو يكسر كل قواعدنا المعروفة ، فلقد احتوى النيزك الانفجار بداخله ، ثم تحول إلى أشلاء و شظايا ، و اتجها بعضها نحوي ، و تيقنت بأني هالك لا محالة ، و لكن تكررت حالة التنافر تلك و حدثت بين السفينة و تلك الشظايا فابتعدت عنها بسلام على عكس ما حدث مع الصواريخ .
تبع قوله هذا حالة من الصمت المقرون بالتفكير العميق ، قطعا الكس بقوله : أُرجح أن يكون نوعاً غير معروف من المعادن التي يعج بها الفضاء و أفسر ما حدث مع الصواريخ بأنها كانت من مادة البلاستيك على عكس معدن الصاروخ الاصلي فلم تحدث قوة التنافر ، اما مع سفينتك حدثت حالة التنافر لأنها من نفس معدن الصاروخ الأصلي .
و ربما ذلك تحدث حالة التنافر تلك مع معادن أخرى أيضاً . 
قال ويليام : تفسير منطقي ، و لكن أعتقد من الافضل أن نجلب منه كمية كافية لدراسته جيداً قبل أن نُجزم بأي بشيء .
قال إدوارد و هو يومئ برأسه : نعم ، ما رأيك بأن تجلب لنا منه في طريق العودة يا رائد ؟
أجابه رائد : في الحقيقة .. لست متحمساً لهذا ، فلقد سبب لي ذلك المعدن ما يكفي من مشاكل ، و لست أحبذ التعامل معه ثانيةُ .
قال الكس مبتسماً : أظن أن هذا الامر يمكنه الانتظار لوقت لاحق يا سيد إدوارد ، الاهم أن أفضل رجالنا قد عاد إلينا سالماً ، أليس أمراً يستحق الاحتفال ؟ ما رأيكم في إقامة حفل صغير مع مطلع الشهر القادم ؟!
قال ويليام : اقتراح جميل للاحتفال بنجاة الأرض و منقذها .
 ما رأيك يا رائد ؟
أجابه رائد بابتسامة واسعة : أنا لدي اقتراح آخر

نظر إليه الجميع بتساؤل ، فقال : اقترح ان تحضروا جميعاً حفلي الاكبر في مطلع الشهر المقبل .. حفل زفافي .
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
استرخ رائد في مقعده بسفينة الفضاء التي تتجه عائدةً إلى الارض و هو يستعيد ذكراه الأخيرة و ذكراه الافضل على الاطلاق ...
 .... ذكرى إنقاذه للأرض
لقد حلم دوماً بأن يصبح رائد فضاء ليحلق في هذا الكون الواسع ، و ها هو قد حقق الحلم أخيراً .
و قد أصبح الان أكثر فخراً بكونه رائد ...

.... رائد فضاء .
لم يدر رائد أنه لم ينقذ الارض من مجرد خطر الاصطدام بنيزك بل أنه أنقذها مما هو أخطر من ذلك بكثير ....
... فهناك بعيداً عن كوكبنا بملايين السنين الضوئية ....
اقتحم احد العالمين بمركز كوكب اوفيلن لرصد الفضاء - أحد الكواكب بمجرة روزيتا - غرفة مدير المركز و هو يلوح بتقريراً في يده قائلاً بلغة
 لا تشبه أي لغة أرضية معروفة  :
سيدي لقد تدمرت سفينتنا التي أرسلناها الارض يا سيدي !!
 التفت اليه المدير - الذي كان يوليه ظهره - في حدة مؤنباً له على طريقته المخالفة لقواعد اللباقة في الدخول .
 جعلته يرتد إلى الخلف و هو يقول : معذرةً يا سيدي . 
 تجاهل المدير اعتذاره و قال بنفس اللغة العجيبة : هل أنت جاد ؟!
قال العالم و قد أزاح ارتباكه جانباً : بلى ،  لقد تفجرت السفينة قبل أن تبلغ هدفها بقليل .
قال المدير متسائلاً : و ما الذي دمره ؟ مجرد اصطدام ؟
قال العالم و هو يُهز رأسه نافياً :
كلا ، لقد رصدنا مركبة فضائية خرجت من الارض و نسفت المركبة ؟
قال المدير في دهشة : لم أكن أتوقع أن الارضيين يمتلكون التقنيات الكافية لفعل هذا ، و لكن يبدو أننا لم نوفيهم حقهم كاملاً .
ثم صمت برهة و قال :
يبدو أننا سنؤجل غزونا لهذا الكوكب بعض الوقت ، فلنركز الان في حملتنا على كوكب فريز، قل لي ما أخر الاخبار الواردة من هناك ؟
قال له العالم : لقد اكتشف علمائنا هناك نوعاً جديداً من الطاقة بكميات كبيرة تكفينا لعدة قرون و سيبدئون في إرسالها إلينا قريباً .
قال المدير مبتسماً  : عظيم ، من يحتاج إلى الارض و لدينا كوكب غني بالثروات مثل فريز ؟!
قالها ثم أطلق ضحكة مجلجلة هزت أرجاء الكوكب ....

... بل الكون كله
                                    
                                     تمت   

الخميس، 2 يونيو 2011

آلة حاسبة ... و دبدوب

تأمل أكرم ( احد العاملين في قسم الواردات في أحد شركات ألعاب الأطفال ) جدران غرفته في أسى و يأس شديدين للغاية . 

كان قد عاد لتوه من عمله في إحباط شديد ، بعد أن مر بالسوق الكبير ، و أشترى بعض الاشياء لمنزله
على عكس ما كان يرغب به أشترى تلك الاشياء في صمت .
 و رغماً عنه تسللت ذكرى اليومين الآخرين في صمت
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------  
" اتفضل يا أكرم "
قالتها زوجة أكرم و هي تناوله ورقة مطوية ثم أردفت قائلة : 
الورقة دي فيها الحاجات اللي احنا محتاجنها ، يا ريت متنساش تشتريها و انت راجع من شغلك . 
قال أكرم و هو يضع الورقة في جيبه : متخافيش مش هنسى.

  قالها ثم أسرع خارج المنزل و كأنما يود الهرب من أي طلبات أخرى .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان أكرم في طريقه إلى خارج مقر عمله عندما استوقفه زميله رمزي قائلاً : استنى يا أكرم اخدك معايا في سكتي لبيتك . 
قال أكرم مبتسماً : شكرا يا رمزي بس لسه هشتري شوية حاجات قبل ما أروح .
قال رمزي : و ايه المانع ؟! اخدك معايا برضو 
قاوم أكرم رغبته الشديدة في الموافقة و قال : لا ، مش عاوز اعطلك ، اتكل انت على الله .  
و استمر محاولات الاقناع من رمزي و لكن استمر أكرم في العناد ، حتى لم يجد رمزي بداً من الإذعان لرغبته أمام تصميمه ذاك .

خرج أكرم من عمله و قد كان في شدة السخط و قال لنفسه غاصباً : يا سلام على غبائي ، كان لازم البس ثوب المروءة دلوقتي ، ده انا استاهل اللي يجرالي في المواصلات .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وصل أكرم بعد عناء شديد و متوقع في الحافلات العامة إلى تلك السوق الكبيرة في تلك المنطقة النشطة في القاهرة و طالما ما كان يصيبه الذهول من كم ما تحتويه تلك السوق من سلع و منتجات مختلفة ، كل شيء كان يُمكن أن يتواجد هناك ، كل شيء ( ربما باستثناء الطائرات و السفن و مركبات الفضاء و القنابل النووية )
أخرج أكرم الورقة التي تحوي بين طياتها قائمة المشتريات ثم وقعت عيناه على أول طلب و قد كان " آلة حاسبة لحل المعادلات "
طوى أكرم الورقة قائلاً : فين أيام لما كنا بنشغل دماغنا في الحسابات ، هي الرفاهية الزيادة دي هي اللي خربت عقولنا .
توجه أكرم إلى أقرب المتاجر التي تبيع المستلزمات الدراسية من أقلام و دفاتر و غيرها و هناك وجد أعداداً و أنواعاً لم يتصور وجودها قبلاً قط !
و كذلك أسعاراً متباينة تبدأ من شبه الصفر إلى شبه المليون !
و تمنى لو كان كُتب بجوار كلمة آلة حاسبة كلمة " بأرخص سعر ممكن " لكان الان في أفضل حال ، و لكنه لم يجد مفراً من أن يطلب من البائع ذلك النوع الذي حُدِدَ  له .
و لكن فُوجئ بالبائع يُبسط أمامه أكواماً من العُلب التي تحوي بداخله الآلات الحاسبة فقال له مندهشاً : ايه كل ده ؟! أنا طلبت آلة واحدة بس مش كل ده !
قال له البائع : في أكتر من موديل من النوع اللي حضرتك طلبته ، و دي معظم الموديلات من النوع ده ، حضرتك اختار اللي يعجبك .
قال أكرم بدون أن يتلاشى ذهوله : حتى الآلات الحاسبة بقى فيها موديلات !
ثم أخذ يفتش وسطها قائلاً : بس أنا عارف أنا هجيب ايه .
و آخذ أكرم يتناول كل واحدةً على حدى فيفحصها من جميع الجوانب من الداخل و من الخارج و ربما ساعده على ذلك البحث انشغال البائع بتعاقب الزبائن على المتجر .
و بعد فترة ليست بالقصيرة ، فحص خلالها أكرم كل ما أمامه تقريباً توجه برأسه و الذي تصبب عرقاً للبائع قائلاً : طلبي مش موجود في دول ؟
قال له البائع في استنكار و كأنما انتبه إليه أخيراً : و هو ايه طلب سيادتك ؟!!
قال له أكرم طلبه ، فقال له البائع : و ليه سيادتك مقلتش طلبك من الاول ، لا معندناش و معتقدش انه عند أي حد تاني . 

لم ينبس أكرم ببنت شفة و خرج من المتجر في صمت !
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
توجه أكرم إلى ذلك المتجر الكبير آملاً أن يجد رغبته فيه ، و هناك تكرر نفس الموقف السابق ، دخل أكرم المتجر و طلب ذلك النوع من الآلات منه ثم بسط البائع أمامه موديلات مختلفة فأخذ أكرم يفحصها كلها بنفس الصورة العجيبة تلك ، و لم يلبث أن أنتهى من فحصه ذاك بدون نتيجة إيجابية ، و تكرر سؤال البائع عما يريده أكرم ، و تكررت الاجابة ، و تكرر النفي من البائع !
و تكرر ذلك الموقف مرات عدة ، قبل أن يتسلل اليأس أخيراً إلى قلب أكرم  فقال في إحباط : نأجل موضوع الالة الحاسبة دي شوية و ننقل على اللي بعده .
فأخرج الورقة المطوية من جيبه ثم فضها و نظر إلى الطلب  الثاني في القائمة و الذي كان " ساعة يد ( عقارب ) " للمدام
و بالنسبة له كان من السهل جداً أن يجد متجراً لابتياع تلك الساعة المطلوبة و لكن مادياً لم يكن الأمر بتلك السهولة قط .
و لكنه لم يجد مفراً من التنفيذ .
و في حيرة شديدة أخذ ينظر لواجهات المتاجر في انبهار ، كانت الساعات ذات أشكالا ً و ألواناً  تسيل اللعاب بحق ، و لكن انبهاره هذا لم يكن بسبب جمالها فحسب ، بل كان بسبب سعرها أيضاً .
و بعد فترة من التحديق في واجهات المتاجر المختلفة استقر أخيراً على متجر اعتبره الارخص نسبياً .
و بخطوات مرتعشة ، دخل أكرم المحل
ابتسم له البائع قائلاً : أهلاً و سهلاً يا أستاذ ، آمر
رد أكرم : عاوز ساعة حريمي عقارب و احم .. سعرها يكون معقول .
و بسرعة عجيبة و كأنما يعرف طلب أكرم مسبقاً دس البائع يده في كومة من أكوام الساعات الهائلة و أخرج له ساعة ذات لون فيروزي هادئ و لامع .
أنبهر أكرم أشد الانبهار بتلك الساعة فقال للبائع : تسمحلي اشوفها ؟
ناوله البائع الساعة قائلاً : ده أكيد اتفضل
أخذ أكرم يفحص الساعة بنفس طريقة فحصه للآلات الحاسبة .
و بعد أن أنتهى من فحصها  التفت إلى البائع مبتسماً :
حلوة أوي الساعة دي ،  زي ما أنا عاوز بالظبط ، قولي بقى بكام ؟
رد البائع بابتسامة أكبر : ب XXXX جنيه .
تلاشت ابتسامة أكرم و قال سريعاً : وحشة اوي الساعة دي ، لونها مش ظريف و مش بنفس المواصفات .
صمت ثم أردف : شوفلي أرخص حاجة عندك .
قال البائع في دهشة : زي ما حضرتك عاوز !
أخذ البائع يبحث وسط  أكوام الساعات الموجودة و أخيراً أخرج له ساعة تبدو أقل بهجة و ناولها لأكرم قائلاً : اتفضل دي أرخص ساعة في المحل .
تناول أكرم الســـــــاعة من البائع قائلاً : و دي بكام ؟
رد البائع : ب XX 
قال أكرم مبتسماً : كويس
قالها ثم بدأ فحصه المعتاد ، بدأ من واجهة الساعة ، ثم أخذ يفحص جانبيها في عناية بالغة ثم إلى غطائها ، و فجأة تكرر ما يحدث في كل مرة ، تلاشت ابتسامة أكرم و حل محلها عبوس و غضب و أعطى الساعة للبائع في حنق قائلاً  : ده كتير ، كتيـــــــــــــــــــر أوي
أخذ البائع الساعة من أكرم في عناية قائلاً في تعجب : فيه ايه يا استاذ مالك ؟ هي الساعة معجبتكش و لا ايه ؟
و لكنه سؤاله هذا تردد بلا جواب .
و ذلك لأن أكرم كان قد غادر المتجر.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تكرر ذلك السيناريو مجدداً في ما بقي من قائمة المشتريات
فقد كاد أكرم أن يكسر خلاطاً كهربائياً في محل الادوات المنزلية بعد أن أجرى عليه ذلك الفحص الروتيني ، و الذي آثار غضبه كذلك .
و دخل أبضاً في معركة شرسة مع دمية في محل ألعاب الاطفال ، بعد أن لمح في القائمة كلمة " دبدوب " بعد أن تكرر نفس الفحص العجيب .
و في النهاية وجد أكرم نفسه عائداً للمنزل متأخراً بعدة ساعات ، و الأسوأ من ذلك أنه عاد خالي اليدين ! بدون شراء شيء واحد من تلك القائمة !!!
و خطا إلى داخل المنزل بهدوء و هو يقدم قدم و يؤخر أخرى .
و أخيراً أصبح أكرم داخل المنزل و لكن لم يكد يدخل حتى فوجئ بزوجته أمامه كما لو كانت تتربص به ، لاحظت هي تلك الصدمة المرتسمة على وجهه فقالت : ايه اللي آخرك كده يا باشا .
قال أكرم في توتر : كــــ ... كنت فيـــ ، في الشغل ، و بعدين رحت عشان اشتري الحاجات .
قالت له في دهشة : بس أنا مش شايفاك شايل حاجة يعني .

قال لها و قد تضاعف توتره مرات و مرات : اصلي .... اصلي
قالت له في غضب : اصل ايه ؟
قال أكرم : اصلي مشتريتش حاجة .
قالت في ثورة : افندم ، امال كنت بتهبب ايه كل ده ؟!
رد أكرم : كنت بدور بس ملقيتش حاجة من اللي انتوا عاوزينها  .
قالت : انت هتستعبط يعني ايه ملقيتش ، الحاجات دي تلاقيها في اي حتة .

فسر لها مع حدث ، و لكن يبدو أن التفسير لم يرُق لها كثيراً و لذلك نشبت المعركة المرتقبة في المنزل
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
في اليوم التالي و برغم ما حدث معه من مشاكل في ليلته الماضية ، ذهب أكرم إلى عمله مبتسماً لسبب ما .
و بعدما أنهى عمله بدا عليه الارهاق ، و لكنه تناسى كل ذلك و أتجه إلى مديرة مكتب المدير و سألها قائلاً : اقدر ادخل ؟ عندي ليه موضوع مهم .
ردت قائلةً : ثواني ، ادخل ابلغه , قالتها ثم وقفت و اتجهت إلى باب المكتب فطرقته ثم دلفت إلى الداخل ، و بعد لحظات خرجت إليه قائلةً : اتفضل ادخل .
تهللت أسارير أكرم ، و توجه بسرعة إلى باب المكتب فطرقه و انتظر حتى أُذن له بالدخول ثم فتح الباب ، و دلف إلى الداخل .
و في الداخل كان المدير جالساً على كرسيه المعتاد ، و أمامه شخص طويل أسود الشعر و العينين ، أخذ يرمق أكرم بنظراتٍ فاحصةٍ ، توجه أكرم إلى المدير و صافحه و فقال له المدير : أهلاً بأكرم الموظف المجتهد ، سلم على أستاذ حلمي ، المدير الجديد لمركز التصميم .
صافحه حلمي قائلاً : أهلاً بيك يا أكرم .
قال أكرم : أهلاً بسيادتك يشرفني التعرف عليك ، و خصوصاً في الوقت ده .
نظر إليه حلمي بتساؤل : قصدك ايه ؟
قال أكرم بحماس : أنا عندي اقتراح حلو جداً لتطوير الانتاج في المصنع .
قال له المدير : طيب اتفضل اقعد و قول اقتراحك يا سيدي .
جلس أكرم على الكرسي المجاور لكرسي حلمي ثم قال : أنا أقترح أننا بدل ما نكتفي باستيراد المنتجات و نجمعها و بس ، اننا ننتج احنا المنتجات دي ، نستورد المواد الخام المتوافرة بكثرة ، و بخبرات العاملين في المصنع ، نقدر نصنع منتجات أكثر جودة ، و الربح هيكون أكبر .
رمقه حلمي بنظرة ساخرة ....
.... و قال له المدير : الموضوع مش سهل يا أكرم ، و هيعملنا مشاكل و وجع دماغ على الفاضي ، خلينا كده كويسين .
قال أكرم : لكن يا سيادة المدير ....
قاطعه حلمي ساخراً : انت بتشتغل ايه في المصنع يا أكرم ؟!
رد أكرم وقد أدهشه السؤال : بشتغل في قسم الواردات في المصنع .
قال حلمي بسخرية أكبر : طيب يعني مفيش علاقة بينك و بين المواضيع ، المفروض انك تسعى لتطوير الواردات مش العكس !
قال أكرم في محاولة للتماسك : انا بقترح اللي في مصلحة المصنع يا افندم
قال حلمي في غضب : بقولك ايه الموضوع ده في اختصاصي أنا ، بلاش تتدخل فيه ، انت مش هتعرف مصلحتنا أكتر مننا .     
قال أكرم و قد شحب وجهه في شدة : بس أنا ...
قاطعه المدير هذه المرة قائلاً : كفاية يا أكرم كفاية .
التفت إليه أكرم ، فتابع : انت تشيل الموضوع ده من دماغك خالص .
قال أكرم : لكن يا افندم ..
قاطعه المدير مجدداً قائلاً في حزم : مع السلامة يا أكرم ، مع السلامة .
أحس أكرم بوخزة في صدره ، عندما أدرك أكرم أنه لا جدوى من النقاش ، و شعر بأنه حلمه قد تلاشى .....
..... و للابد
و خرج من باب المكتب و قد وصل مقدار ما يشعر به من يأس و إحباط و مرارة إلى الذروة
و عندما خرج من باب المكتب ، اخرج من جيبه ورقة مطوية ، تلك الورقة التي كانت تحوي قائمة المشتريات التي أبى أن يشتري منها شيئاً أمس .
 و لكن في ذلك اليوم ، قرر الذهاب إلى ذاك السوق مجدداًُ
لشراء كل ما في تلك القائمة
و سواء وجد ما يرغب به أم لا
فسوف يشتريها ..
... كلها
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" الأكل جاهز يا أكرم "
اخترقت تلك الجملة أذنيه و بدت له كدوي ألف رصاصة في وسط حاجز الصمت الناتج على جريان بحر الذكريات في رأسه .
 أعادته تلك الجملة إلى عالم الواقع
فوقف على قدميه بصعوبة بالغة و توجه نحو باب الغرفة للخروج .
و في طريقه رأى تلك الاشياء التي كان قد اشتراها منذ قليل
آلة حاسبة ، و ساعة يد ، و خلاط كهربائي ، و دمية .
و في أسى أخذ ينظر إلى تلك الاشياء ، و رأى تلك الجملة التي لم يكن يرغب برؤيتها قط ، تلك الجملة التي طاردته في كل المحلات و كل المنتجات التي رآها في السوق ، و التي كان سيراها في كل الاسواق ...
... تلك الجملة التي كان يأبى شراء أي شيء تتواجد عليه ...
... تلك الجملة التي كانت تستثيره كلما رآه ...
... تلك الجملة التي كان يود تنفيذ فكرته في مصنعه كبداية لمحوها تماماً ...
... تلك الجملة التي بدت له الان و كأنما تتعمد إغاظته  ...
... تلك الجملة التي لم يتحمل رؤيتها طويلاً فخرج سريعاً للهرب من رؤيتها ...
... تلك الجملة التي غزت كل شيء نراه الان حتى كادت أن تغزو البشر أنفسهم ...
... تلك الجملة التي كان تتكون من ثلاث كلمات فحسب و لكن قصتها تُحكى في ثلاث مجلدات
... تلك الجملة التي كانت :




" Made in China  "

;