بحث في المدونة

الأربعاء، 31 أغسطس 2011

مستر ويليام

هذه المرة قصة قصيرة جداً لتوافي شروط مسابقة مكتبة الاسكندرية حيث لابد أن لا تزيد عن 4 صفحات بخط 14 نقطة و بفواصل مزدوجة بين السطور
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" ها هو قادم يا أيمن "
قالها أحد الموظفين الصغار بتلك الشركة الكبيرة بانبهار  و هو يشير إلى أحد شابٍ قادمٍ من باب ذلك الممر الكبير فأومأ إليه أحد الموظفين المجاورين له برأسه قائلاً : نعم يا حسين و بشكله و بشكله المعتاد .
لم يكد ينهي عبارته حتى مر ذلك الشاب بجانبهم ، و هنا أتسعت أعين جميع من بالمكان في انبهار و تجمدوا جميعاً في أماكنهم أمامه
و ربما يرجع ذلك في أن ذلك الشاب كان شديد الوسامة إلى حد مدهش ، فقد كان طويل القامة ، ازرق العينين ، ذو شعر بنيٍ ناعمٍ و لامعٍ ، و ابتسامة ساحرة بأسنانه البيضاء المتلألئة كالماس ، ويرتدي حلة أنيقة برباط عنق فاخر و ساعة ذهبية أنيقة تدل على الثراء الشديد .
قال دون أن يبدو عليه أدنى اهتمام بانبهارهم : صباح الخير جميعاً
و لوهلة ظل الجميع على جمودهم ، فظل هو الاخر مبتسماً في موضعه بصبر من أعتاد الأمر ، ثم و أخيراً انتزع أحدهم نفسه من جموده ثم قال : صباح الخير يا سيد ويليام .
أيقظت جملته هذه الجميع من جموده و أخذوا يبادلونه التحية في تقدير و احترام ، ثم غادر هو المكان مواصلاً طريقه إلى مكتبه .
و بعد أن غادر ذلك الشاب المكان ، قال حسين محدثاً أيمن : يا له من شاب رائع و جذاب .
أومأ أيمن إليه برأسه موافقاً ثم قال في خبث :   نعم ، جذاب جداً و للفتيات أيضاً .
التفت إليه حسين و تساءل قائلاً : ماذا تقصد ؟
اقترب أيمن منه ثم همس في أذنه قائلاً : ألم تلحظ وجوه جميع الموظفات هنا عند مروره كل صباح ، أنه يحاولون إخفاء إعجابهم بهم ، و لكنهم يفشلن في ذلك دائماً ، أنا دوماً ألاحظ وجوههن الحالمة ، و عيونهم الواهمة التي تحمل أمانيهن في أن يكون فارس أحلامهن .
لكزه حسين بمرفقه ثم قال مبتسماً : يا لك من داهية !
قهقه أيمن ضاحكاً و قال : و بماذا أفادني الدهاء ، يا لك من محظوظ يا ويليام !
-------------------------------------------------------------------------------------------   
انتهى الوقت الرمسي للعمل في تلك الشركة الكبيرة ، و أخذ جميع العاملون يسرعون بالرحيل آملين أن يظفروا بوسيلة مواصلاتٍ كفيلة بإن تعيدهم إلى منازلهم
و من بين الجموع الغفيرة من الموظفين بوجوههم البائسة و ملابسهم البالية  برز واحداً فقط منهم ، و ذلك لشكله المميز للغاية عنهم جميعاً ، فعلى النقيض كان يبدو أنيقاً إلى حد مدهش بحلته الأنيقه اللامعة و وسامته المفرطة التي تجعله أشبه بنجوم السينما منه إلى موظف حكومي .
لقد كان ويليام
توجه مع جموع الموظفين إلى ذلك الميدان الكبير
و على عكس الجميع الذين أخذوا يتشبثون بأي حافلة ، لم يأبه هو بأي منها و ظل واقفاً في مكانه و هو يده يديه في جيبه في لا مبالاة
و فجأة انتبه ويليام وأخذ يحدق إلى نقطة ما في نهاية الطريق ، كانت هناك سيارة قادمة من الأفق البعيد و أخذت تقترب و تقترب  و تقترب
ثم توقفت أمامه هو ، أمام ويليام
و بلا تردد فتح ويليام باب السيارة الخلفي و دلف إلى الداخل ، وفور دخوله انطلق قائد السيارة.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
هبط ويليام من السيارة في إحدى الشوارع الواسعى في الجيزة و توجه إلى قائد السيارة قائلاً بابتسامة واسعة : أشكرك كثيراً يا عمرو .
قال عمرو مبتسماً هـو الآخر : لا شكر على واجب يا ويليام .
قالها ثم انطلق بسيارته مبتعداً فالتفت ويليام إلى الطريق  و أخذ يسير في ذلك الشارع بعض الدقائق ، ثم انحرف إلى أحد الشوارع الجابنبية على يمينه و أخذ يلتفت حوله و كأنما يتأكد من أن أحداً لا يتتبعه ثم التفت أمامه مجدداً و سار في ذلك الشارع إلى نهايته  ثم انحرف إلى شارع جانبي آخر لأحد الحارات الشعبية الصغيرة و تلفت حوله مجدداً ، ثم سار بسرعة نحو أبواب أحد البنايات المتهالكة و اختفى بداخلها
و بعد مرور فترة من الزمن ، خرج شخص ما من باب تلك البناية
شخص كان قريب الشبه كثيراً من ويليام  و لكن مع فارق جوهري للغاية
فبدلاً من الحلة الأنيقة ، كان يرتدي قميصاً بالياً و ممزقاً مكتظاً بالبقع السوداء
و سروال مهلهل مليء بالرقع في شتى الأماكن و كذا حذاء ممزق بالكاد يستطيع ان يحمل قدميه
و بهدوء خرج ذلك الرجل من باب البناية و خرج إلى قلب ذلك الشارع و توجه إلى أحد المتاجر المغلقة و ينحني نحو قفل بابها المعدني و أدار المفتاح في رتاجه ، لينفتح القفل في هدوء فأخذه و دسه في جيبه ثم أخذ يرفع الباب بكل قوته و أخيراً نجح في ذلك ليكشف خلفه ذلك المكان الواسع و التي كانت تزينه لافتة تقول :
" ورشة الاسطى ويليام الميكانيكية لصيانة السيارات "

الاثنين، 22 أغسطس 2011

صندوق الأرواح ( البحث عن الحقيقة ) ج 1


صندوق الأرواح
 [url=http://www.0zz0.com][img]http://www9.0zz0.com/2011/08/22/15/983418248.jpg[/img][/url] 
http://www9.0zz0.com/2011/08/22/15/983418248.jpg
By : AHMEDHOLZ / AHMED MOUSA 
تمهيد :

لطالما أحببت القراءة و الكتابة بشكل عام  و الخيال العلمي بشكل خاص ..
و عشقت هذا المجال منذ نعومة اظافري ..
و كان لدكتور نبيل فاروق الفضل بعد الله سبحانه و تعالى في عشقي لهذا المجال ..
و تعلمت من رواياته الرائعة في الخيال العلمي و خاصةً سلسلتي ملف المستقبل و كوكتيل 2000 الكثير ..
و الكثير جداً ..
مما أهلني لأن أبدأ في كتابة سلسلتي الخاصة ..
و بخط رديء في كشكولي الخاص كتبت العدد الأول ..
و لكن بإهمال شديد أضعته ..
و لكن برغم أن ذلك آلمني بشدة ، لكن في الوقت ذاته كان بمثابة فرصة ذهبية لإعادة كتابته من جديد بصورة أفضل كثيراً ..
و قد بدأت ذلك بالفعل ..
ثم فجأة و بلا أدنى مقدمات ..
اشتعلت الثورة ..
اشتعلت من قبل شعب مقهور ، أصابه اليأس و أدرك أنه ضائع لا محالة و أنه ما من أمل أمامه سوى هذه الثورة
اشتعلت لتلهب حماسة المصريين جميعهم ..
و أنا منهم ..
فبدأت أكتب و أنشر المقالات و القصص عن الثورة بحماسةٍ بالغةٍ
حتى نسيت تماماً هدفي الأساسي ..
الخيال العلمي
و كان لابد لي أنا أعود
و هذه الرواية هي العودة
و إن كانت لا تُعد خيالاً علمياً ، بل رواية من نوع الفانتازيا
و أعتذر عن تلك المقدمة الطويلة
و الآن فلنبدأ ..
----------------------------------------------
مقدمة
خطوت بثقة و بهدوء شديدين لا يتناسبان قط مع رهبة الموقف التفت أجسام هلامية مرنة نصف شفافة حولي في صمت و أنا أتابع سيري بدون أن يبدوا علي أدنى تأثير ، برودة شديدة سادت المكان ، برودة كانت كفيل بتجميد الجحيم نفسه و مع ذلك لم تؤثر في أدنى تأثير واصلت سيري بثقة شخص أعتاد على الموقف برغم أنها كانت المرة الأولى التي أخطو فيها هذا المكان المهيب و أخيراً بعد سير لمسافة طويلة و إن كنت لم أشعر كثيراً بطولها و لم أذرف فيها قطرة عرق واحدة و ربما لتلك البرودة العجيبة وجدت نفسي أمام باب هائل الحجم يكاد يكفي لمرور فيل متوسط الحجم !حاولت ابتلاع دهشتي سريعاً و نجحت بغرابة في ذلك بالفعل ثم شددت قامتي و طرقت ذلك الباب الهائل في جرأة لم أتوقع أن تتواجد في نفسي قبل هذه اللحظة .و بدت طرقاتي وسط السكون العجيب الذي يغلف المكان كدوي القنابل و لثوان ظل الباب على وضعه هذا ثم فُتح عنوةً بسرعة كبيرة أثارت دهشتي كونها لا تتناسب مع ضخامته قط و لكن سرعان ما تبخرت دهشتي تلك ، و ذلك لتفسح مجالاً للكم الهائل من الذهول الذي تسلل إلى عقلي و قلبي ، بل و كياني كل في تلك اللحظة
و ذلك لأن ما رآيته خلف ذلك الباب ، كان مبهراً

بل و خيالياً ...

... و إلى أبعد الحدود  
--------------------
 
صندوق الأرواح الفصل الأول :  ( البحث عن الحقيقة )

1 – عالم عجيب
فجأة فُتح ذلك الباب على مصراعيه ..
و مع انفتاحه انفتح كل من فم و عين الواقف أمامه في بلاهةٍ شديدةٍ
و ذلك لأن ما يراه أمامه كان مدهشاً و لا يُصدق على الإطلاق
كان هناك و أمامه مباشرة ً و على عتبة ذلك الباب الضخم ، كان يقف شخص يشبه البشر إلى حد كبير و لكن مع اختلاف وحيد و جذري و هو أن طوله كان يقارب الأمتار الثلاث
و العجيب أن ذلك العملاق نفسه قد ارتفعت عيناه في دهشة
و تجمد الموقف كله للحظات ، و كأنما أصابته برودة المكان 
و بعد لحظات انتزع العملاق نفسه من دهشته و أنهى ذلك الجمود قائلاً في غلظة :
ما الذي أتى بك إلى هنا يا فتى ؟
انتزعه صوت العملاق من جموده هو الآخر فقال متوتراً :
لقد أرسلني النورس الجوال للقاء نورس المركز .
انعقد حاجبا ذلك الضخم بشدة حتى بدا و كأنهما على وشك السقوط بضخامتهما الشديدة
و ازداد توتر ذلك الشاب الواقف أمامه ، كان قد أخذ طريقه كله في حفظ تلك الجملة التي ينبغي عليه أن يقولها ، و كان أكثر ما يخشاه هو أن ينسى أي حرف فيها .
و مرة أخرى انتزع العملاق ذلك الشاب من أفكاره بقوله المفاجئ : حسناً ، تفضل بالدخول يا فتى .
و برغم توقعه لتلك الجملة أيضاً ، تسمر الفتى في مكانه للحظات حتى كرر العملاق :
تفضل بالدخول .
عندئذ انتزع الشاب نفسه من دهشته وتقدم بخطواتٍ حذرةٍ نحو ذلك الباب ، و ذلك العملاق يتابعه ببرود ..
و أخيراً خطا إلى الداخل ..
عندئذ تيقن ذلك الشاب أن دهشته لن تتلاشى طالما قد جاء إلى ذلك المكان ..
لن تتلاشى قط .
شعور عجيب ذلك الذي انتاب ذلك الشاب في تلك اللحظة ..
لقد شعر بأكبر مقدار من الذهول و الانبهار يقدر أن يحظى به المرء على الإطلاق
و ذلك لأنه رأى خلف ذلك الباب ما لا يمكن أن يٌصدق ..
لقد رأى سماءً خضراء ، شمساً زرقاء 
و حول تلك الشمس العجيبة كان يدور قمر متوسط الحجم و كان يتوهج بشدة
و الأغرب من هذا و ذاك هو تلك الحيوانات العجيبة التي تركض هنا و هناك ..
قطة خضراء اللون بأذنين طويلتين كالأرنب
ضفدع أزرق بلون السماء
و ..
و كلب برأسين !
أثار ذلك الكلب توتر الشاب كثيراً
و لكن و برغم كل ذلك
بدت كل تلك الأمور العجيبة مألوفة إليه للغاية
و لكن في الوقت نفسه لا يتذكرها
شعر عقله بالدوار الشديد من التفكير في ذلك الامر ، أنقذه منه ذلك العملاق بقوله :
لابد أنك اشتقت لدربي كثيراً، أليس كذلك ؟
دربي ؟!
بدا ذلك الاسم مألوفاً للغاية لديه
و لكن لسبب ما لم يتذكر صاحبه
كاد رأسه أن ينفجر من كثرة التفكير، فضرب رأسه بيده ، و كأنما يحاول أن يبعد بهذه الضربة الأفكار عن رأسه .
لم يبال العملاق به و هو يقول بإشارة من يده إلى إحدى الحدائق الواسعة المنتشرة في ذلك المكان: انتظر هناك في الداخل مع دربي ، ريثما أخبر السيد رافاييل بوجودك .
وبرغم عدم معرفته لدربي هذا أو حتى رافاييل ، لكنه  وجد نفسه يطيعه بلا مناقشة
فتوجه نحو تلك الحديقة الواسعة في صمت، بينما سار ذلك العملاق في الاتجاه المقابل له
و عندما وصل إليها عاد الذهول ليرافقه من جديد
فقد رأى باب هائلاً لتلك الحديقة ، لم يره عندما أشار إليها العملاق من بعيد !
و هنا أُصيب بالحيرة الشديدة ..
فماذا عساه أن يفعل أمام ذلك الباب الهائل الحجم المغلق بذلك القفل الضخم و الذي يزيد حجمه عن حجم كف يده .
هنا أصابه الحنق من ذلك العملاق ، الذي طلب منه الانتظار في الداخل و تساءل ما الذي كان يقصده بهذا إذن !
و في محاولة غريزية يائسة وضع يده على طرف ذلك القفل الضخم القفل ليتحسسه و ضغط عليه بيده و ...
... و تحطم القفل
تحكم وسط الذهول الذي عاد إليه مضاعفاً مراتٍ و مراتٍ 
و المذهل أكثر من ذلك أن القفل بأكمله قد تحطم و ليس ذلك الجزء الذي ضغط عليه فحسب .
" افتح الباب يا تشيهارو "
قالها صوت أنثوي هادئ
فالتفت بصورة غريزية إلى مصدر الصوت في فزع ..
و هنا شاهد مصدر الصوت ..
كانت فتاة شابة يبدو شكلها عادياً مثل سائر البشر
كانت متوسطة القامة شقراء الشعر ، و خضراء العينين
و قد ارتسمت على وجهها ابتسامة عذبة .
تسمر تشيهارو للحظات ثم قال متلعثماً : ممـ .. من أنت ؟ ،  و كــ ... كيف عرفتِ أسمي ؟!
تلاشت الابتسامة من على وجه الفتاة و قالت في بلهجة تكسوها المرارة : أنا مورا يا تشيهارو ، ألا تذكرني ؟!
مورا ..
بدا له هذا الاسم مألوفاً أكثر مما ينبغي
و لكن أين سمعه من قبل ؟
أين ؟؟؟
عاد ذلك الاضطراب في رأسه ليراوده مجدداً ، فوضع يده على رأسه في ألم ..
لاحظت مورا ذلك ، فقلت بشفقة تكسوها المرارة :
كنت أتوقع أنك قد نسيتني ، و لكن لا يهم ذلك الآن افتح الباب فحسب .
التفت إليها ثم قال مستنكرا ً : أفتح ماذا ؟!
قات مكررةً : أفتح الباب .
قال بنفس اللهجة المستنكرة : كيف ؟!
قالت بتعجب و كأنما سأل سؤالاً سخيفاً : أدفعه .
هز كتفيه و قال في سخرياً : حسناً سأدفعه .
قالها ثم التفت نحو ذلك الباب الضخم ، و وضع  يده اليمنى عليه بهدوء ثم وضع يده اليسرى أيضاً لتستقر فوقه ..
ثم أخذ يدفع الباب بهدوء شديد جداً فلم يتزحزح قيد أنملة ، حتى أن مورا قد قهقهت ضاحكة ً و قالت ً بسخرية :  أنت لا تدفع دجاجةً أيها الضعيف ، ادفع بقوة ولا تخشَ شيئاً ، لن يقتلك أحدُ ُإذا حطمته يا فتى .
احتقن وجه تشيهارو ، و بدا و كأن تلك الجملة الأخيرة قد أثارت حفيظته فأنزل يديه من على الباب لثوان ، ثم دفعهما نحو الباب مجدداًً ، و لكنه وضع فيهما كل قوته هذه المرة  ..
عندئذ أرتفع حاجبا تشيهارو حتى كادا أن يختلطا بشعر رأسه
فما حدث كان يفوق جميع توقعاته ..
.. تماماً .
اتسعت عينا تشيهارو حتى كادتا أن تبتلع وجهه بأكمله ، فما حدث في تلك اللحظة كان مدهشاً بحق ..
فلقد انهار ذلك الباب تماماً و سقط أرضاً محدثاً دوياً هائلاً كحجمه ، حتى أن تشيهارو قد وضع يديه على أذنيه و هو يلتفت حوله ، ليتأكد من أنه أحداً لم يبلغه صوته سقوطه المزعج
و ألتفت تشيهارو إلى مورا بدون أن تفارق امارات الذهول وجهه و توقع أن تزيد دهشتها عن دهشته ..
و لكن على النقيض وجدها تبتسم و تصفق بكفيها في جذل و هي تقول : أحسنت ، يبدو أنك مازلت تتمتع بقوتك و لم تنسها هي أيضاً .
قال بدون أن تتلاشى دهشته : ماذا تعنين ؟! و كيف حدث هذا ؟! كيف ؟!
قالت في اضطراب : ستعرف كل شيء لاحقاً أم الآن فهيا امضٍ في طريقك .
نظر إليها بضع لحظات في شك  ثم لم يلبث أن تنهد بعمق و توجه ببصره إلى تلك الفجوة العملاقة التي خلفها الباب جراء سقوطه  محاولاً أن يستشف منها عما يقبع في الداخل ، و لكنه لم يستطع أن يرى أي شيء سوى الظلام الحالك  ، فالتفت إليها متسائلاً بدهشة : ما الذي يوجد بالداخل هنا  لا أستطيع رؤية أي شيء و الظلام يحيق بكل شيء ، رغم أنه ثمة حديقة كانت تربض هنا منذ قليل !!
ابتسمت و قالت طريقة توحي بأنها أم تعلم طفلها الصغير : لا عليك ، فقط تقدم للداخل .
سألها : و لكن ، ألن تأتي معي ؟؟
أجابت : كلا ، ستذهب أنت وحدك ، فدوري قد انتهى عند هذا الحد ، و لكني سأعود مجدداً مع السيد رافاييل .
قال باستنكار : ماذا تقولين ؟! كيف تريدين مني أن أذهب لمكان مجهول و لا أعرف عنه شيئاً مثل هذا وحدي ؟!! 
قالت مورا بحزم : اسمع يا تشيهارو لقد جئت إلى هذا المكان منذ البداية بمحض إرادتك و حتى لو أرشدك أحد إلى ذلك ، ففي النهاية قد كان اختبارك أنت وحدك ، و برغم أنه مجهول بالنسبة إليك لم تتردد قط في المجيء و ذلك بسبب ارتباطك بهذا المكان بأكثر مما تتصور ..
صمت برهة لتلتقط أنفاسها ثم تابعت : و الآن عليك أن تثق بي و أن تتقدم إلى الداخل ، فثق بي يا تشيهارو ، ثق بي .
  ثق بعقلك و بقلبك و ستظل قوياً دائماً ، فصدقني هما و ليس العضلات المكمن الحقيقة للقوة ، أي قوة و لأي شخص .
حدق فيها تشيهارو للحظات مبهوراً و قال : من أنتِ بالضبط ؟
قالت مورا بنفس الحزم : أنا مورا يا تشيهارو مورا .
و لسبب ما عجز عن فهمه وجد نفسه و بدون نقاش يتقدم إلى الداخل
إلى ما وراء ذلك الظلام ..
الظلام الدامس .
--------------------
يتبع ...

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

الصيحة الأخيرة

تناثرت الدماء من حولي كقطرات الماء المنهمرة ، و صنعت بركاً و بحـــيرات منه .
تساقطت الاجساد من حولي صمتٍ شامخٍ .
و أنا أقف في مكاني ثابتاً ، و إن كان الرعب قد تملكني أو كاد ..
أجساد سوداء بدت أشبه بالأشباح أحاطت بالمكان في سرعة ..
و لوهلة بدأ اليأس يتسلل إلى عقلي و قلبي ..
بدأ جسدي يتشرب ماء الخضوع ..
و لكن فجأة ، لمحت طيفهما أمامي ..
و بمرآهما ، و رُغماً عني ..
.. غرفت في نهر الذكريات .
-------------------------------------------------------------------------------------------
" استيقظ يا سامح "
قلتها لأوقظ شقيقي الأكبر سامح – و الذي يكبرني بثلاثة أعوام - من نومه  ، ليلحق بموعد أولى امتحاناته في الثانوية العامة و الذي لم ينعم بأكثر من ساعتين فحسب من النوم ، و ذلك لأنه ظل يستذكر دروسه لما بعد الفجر ..
و أخيراً و بعد عناءٍ طويل و بعد الكثير من المحاولات ، أستيقظ سامح من نومه ..
و بمجرد أن فتح عيناه سألني في صوتٍ واهنٍ : كم الساعة الآن ؟
أجبته قائلاً : إنها السادسة و النصف .
و ما أن أنهيت جملتي ، حتى هب سامح من فراشه مذعوراً و كأنما تطارده وحوش الدنيا كلها ، ثم توجه نحو المنضدة الصغيرة في طرف الحجرة و هو يقول لي في حدة : و لما لم توقظني قبلاً ؟! كيف سيسعفني الوقت للاستذكار إذن ؟!!
قلت له متعجباً و قد حمل صوتي حدةً مماثلة : ما الذي كنت تفعله بالأمس إذن ؟!! ثم أنه لا يزال أمامك ساعتان و نصف للاستذكار !
قال سامح و هو يبدل ملابس النوم في عجلة : فلتمحِ منها ساعة للطريق إذن .
قالها ثم اتجه إلى الباب للخروج من الغرفة ، تبعته في سرعة ، و رأيته يجلس على تلك الطاولة في حجرة الجلوس و التي تراصت عليها كل كتبه من ليلة أمس ، ثم بدأ في استذكار دروسه .
قلت في صوت هامس خشيةً أن أُفقده تركيزه : ألم تنهِ استذكار دروسك بالأمس .
التفت إلي في بطئ و قال في شرود : بلى ، و لكن المراجعة ضرورية كما تعلم ، و ربما يفصل سؤال واحد بيني و بين تحقيق حلمي .
قلت له : و لكنك لم تحصل على قسطٍ وافر من النوم .
أومأ برأسه موافقاً و هو يقول : أنت مُحِق و لكن ما باليد حيلة .
قالها ثم التفت مجدداً إلى كتبه و كأنما يؤكد لي أنه  غير مستعد على الاطلاق أن يُضيع ولو ثانيةٍ واحدةٍ في الثرثرة ، فالتفت عائداً إلى غرفة نومي في صمت .
-------------------------------------------------------------------------------------------
" ماذا فعلت في الاختبار يا ولدي ، طمئن قلبي "
قالتها أمي في قلق لسامح الذي عاد لتوه من اختباره الأخير في الثانوية العامة .
اتخذ سامح أقرب المقاعد إليه و جلس عليه و هو يلهث قائلاً : رويدك قليلاً يا أمي ، أود أن ألتقط أنفاسي .
قالها ثم تنهد بعمق ، و الام تتابعه بعينيها بقلق شديد ، فقال و قد رسم على وجهه ابتسامة : اطمئني يا أمي ، لقد أبليت بلاءً حسناً في الاختبار برغم صعوبة تلك المادة ، فقد كنت أخشاها دوماً .
ارتمت الام هي الاخرى ، على أقرب المقاعد إليها هي الأخرى و قالت : حمداً لله .. حمداً لله .
سألته قائلاًَ : و الان يا سامح ، علام تنوي ؟
قال سامح في حسم : دعنا لا نستبق الاحداث ، فلننتظر النتيجة أولاً ، ثم نرى .
------------------------------------------------------------------------------------------------------
" طب ؟ "
قالها والدنا و هو يواجه سامح الذي قال : نعم يا أبي نتيجة التنسيق ، كلية الطب ، جامعة القاهرة .
سأل أبي سامح : و هل انت مقتنع بهذه الكلية يا ولدي تمام الاقتناع ؟
قال سامح و هو يومئ برأسه : تمام الاقتناع يا أبي .. تمام الاقتناع .
قلت له مداعباً : و لكنك كنت دوماً ترفض مبدأ كليات لمجرد دخولها .
عقد حاجباه غاضباً و هو يقول لي : و من قال أنني سوف أدخل تلك الكلية لمجرد انها من كليات القمة ، أنا أرفض هذا المبدأ من الاساس ، الكليات الكبيرة ليست الطب و الهندسة فحسب ، كل الكليات كليات قمة بطلابها المتفقون ، تخيل العالم بدون صحفيو كلية الإعلام و محامو كلية الحقوق و محاسبو كلية التجارة و غيرهم ..
ثم صمت برهة و تابع :
لقد دخلت تلك الكلية لحبي و إيماني الشديد بمهنة الطب ، كم هو رائع أن تكون طبيباً ، و تكون سبباً في شفاء آلام المرضى .
قال جملته الأخيرة بتأثر ، فصمتنا جميعاً للحظات ، ثم قال أبي :
بارك الله فيك يا ولدي و وفقك .
ثم ذهبت إليه أنا و احتضنته قائلاً : و أنا واثق من أنك ستكون أفضل طبيب في العالم كله.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
" أين أبي ؟ "
قالها أخي و هو يدلف مهرولاً إلى تلك القاعة الصغيرة في تلك المستشفى الحكومي المتواضعة ، و عندما دخل ابتلعت لعابي في صعوبة و توجهت إليه و قلت له بعد تنهيدة حارة و الدموع تسيل على وجنتاي : البقاء لله .   
عندئذ انهار أخي على أقرب المقاعد إليه ، و أخذ يذرف الدموع في صمت .
----------------------------------------------------------------------------
" هل تريدون خداعي أم ماذا ؟ "
قالها أخي سامح غاضباً و هو يواجه أحد الأطباء في تلك المستشفى ، ثم تابع قائلاً : أنا طالب في كلية الطب ، و لن تستطيع خداعي بهذا الهراء فلن أصدقه قط .
قال الطبيب في حدة : صدق أو لا تصدق  فهذا شأنك ، و لكن هذا هو التقرير الرسمي .
و فجـأة ثار سامح أيما الثورة و أمسك الطبيب من ياقة معطفه ثم صدمه بالحائط  بعنف، و اتسعت عينا الطبيب في هلع وسط ذعر الموجودين بالمكان ..
قال أخي للطبيب في صرامة : اسمع يا هذا ، لست غر ساذج لأصدق ما كتبتموه في ذلك التقرير الأحمق ، الوفاة ليست بسبب تلك الأزمة القلبية المزعومة ، فأبي لم يعاني أي شيء من هذا القبيل طوال حياته ، سبب الوفاة الحقيقي هو ذلك الإهمال البشع في تلك المستشفى الحقيرة .
و ما أنهى كلماته ، حتى استفاق الطبيب من صدمته و صاح في ثورة : أين الأمن ؟! أين الأمن ؟! فلتخرجوا هذا المجنون من هنا .
عندئذ دخلت أنا إلى تلك القاعة بعد أن جذبتني الضوضاء الصادرة منها ..
و سرعان ما تداركت الموقف و هرعت إلى أخي محاولاً تهدئته و قلت له : اتركه يا سامح ، اتركه .
عندئذ أفلت سامح الطبيب الذي أخذ يلهث في عنف و كأنما كانت تطارده الأشباح ..
و عندما التقط انفاسه صرخ في قائلاً : خذ هذا الهمجي بعيداً عن هنا و إلا لكنته درساً قاسياً .
رفع أخي يده استعداداً للكمه ، و لكني أمسكت بها في سرعة و قالت له : رويدك يا أخي ، لا تفقد أعصابك هذا النحو ، تعال فلنخرج من هنا الآن .
عندئذ ، أنزل سامح يده ، و سار معي إلى الخارج في صمت .
-------------------------------------------------------------------
 " لقد رفضوا المشروع "
قالها أخي سامح بحزن و آسى شديدين ثم استطرد قائلاً و على وجهه شبح ابتسامة ساخرة :
لقد قالوا أن الميزانية لا تكفي لتنفيذ هذا المشروع ، و أن لديهم أشياء أكثر أهمية يقلقون بشأنها .
صحت في غضب : أشياء أكثر أهمية !
ما هي تلك الأشياء التي تفوق أهميتها أهمية شفاء المرضى و مداواة جروحهم ، اننا يومياً نرى على شاشات التلفاز و صفحات الجرائد تلك المبالغ الخرافية التي توزع هنا و هناك على أشياء تافهة ، أين تذهب تلك الأموال في تنفيذ تلك المشاريع المهمة مثل مشروعك قليل التكلفة !
قال سامح بلهجة تمزج بين الألم و السخرية : نحن في بلدٍ أحاط بها الفساد من كل جانب ، حتى أصبح العلم في ذيل قائمة أولوياتها ، لم يعد يهتم أحد سوى بالمال و النفوذ فحسب ..
قالها ثم تنهد بعمق و تابع في حزم : لا يمكنني أن أستمر في العيش بهذا البلد قط .. سأسافر يا أخي ، سأسافر يا أمي .
عندئذ تكلمت أمي و قالت في لوعة : تسافر ؟ ما الذي تقوله هذا يا ولدي ؟
التفت إليها سامح قائلاً : معذرةً يا أمي ، و لكني اتخذت قراري بالفعل ، سأذهب إلي بلد تقدر العلم و تهتم به ..
إلى دولة تعي إن العلم و العلماء هم مقياس تقدم الأمم ، و هم أساس نهضتها .
قالت أمي و قد بدأت بالبكاء : و لكن هل سترحل و تتركنا وحدنا هنا ؟!
رد سامح مطمئناً و قد اقترب منها و انحنى ليقبل يدها : لا تخشي شيئاً قط يا أمي ، لن أترككم قط وحدكم ، فلو استطعت أن أسافر و وفقني الله بعمل جيد ، فسوف أبادر بإرسال المال إليكم فوراً .
قال الام : يا ولدي المشكلة ليست في المال فحسب ، كيف ستعيش في بلد غريب وحدك هكذا ؟  و كيف ستوفر نقوداً للسفر ؟!
قال سامح في سرعة : سأعمل ليل نهار لتوفير المال اللازم ، و سأكبل بكل العناء في سبيل حياةٍ كريمةٍ لنا جميعاً يا أمي .
انسابت الدموع على وجنتي أمي في صمت ، بينما توجهت أنا إلى سامح و قلت له و أنا أربت على كتفه : برغم أنني أختلف معك يا أخي ، و لكن لا يسعني سوى أن أتمنى لك التوفيق .
ابتسم سامح و هو يقول : شكراً يا أخي .. شكراً .
--------------------------------------------------------------
بعد مرور عام ..
عاد أخي للمنزل متأخراً عن موعده في ذلك اليوم ، و لكنه لم تكد قدماه تطأ داخل المنزل حتى هرع إلينا قائلاً بسعادة بالغة : أمي .. سامح ، لقد حصلت على التأشيرة و سأسافر في خلال أسبوع واحد فحسب .
امتقع وجهي في شدة و بدت عليه آثار الصدمة فقد حانت اللحظة التي كنا نخشاها ، و لكنني جاهدت كثيراً لأتخلص من هذا الانفعال و بذلت جهداً كبيراً لأرسُم على وجهي الابتسامة و أنا أقول : مبارك يا سامح .. مبارك لك .
فيما ارتسم الحزن على وجه أمي و لم تستطع أن تقول أي شيء فتوجه سامح إيها و انحنى ليقبل يدها قائلاً : صدقيني يا أمي أنا أفعل هذا من أجلكم جميعاً ، فلم يعد هناك مستقبل في هذا البلد .. صدقيني .
قلت لسامح في حزن : و لكن ألن تحضُر حفل تخرجي يا سامح ؟
اعتدل سامح واقفاً و صمت برهة و بدت عليه علامات التفكير ثم قال : لا تخف يا أخي سأحضر الحفل .. سأحضره بإذن الله .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" شكراً لك يا سامح على حضورك للحفل "
قلتها مخاطباً سامح الواقف أمامي الذي قال لي : لا تشكرني يا أخي ، و الان ينبغي علي أن أرحل فالباخرة ستتحرك بعد ساعتين و ينبغي أن أصل للميناء في غضون الساعة .
قلت له بعد تنهيدة عميقة : حسناً ، دعني آتي معك للميناء و ..
قاطعني سامح قائلاً بابتسامة خفيفة : كلا ، فلتكمل أنت حفلتك ، و سأذهب أنا .
قلت : و لكن ..
قاطعني مجدداً في حزم : ابقَِِِ أنت هنا .
شعرت بأنه لا جدوى من النقاش فصافحته قائلاً : حسناً إلى اللقاء يا سامح ، ووفقك الله فيما تريد يا أخي .
قال سامح و يحتضنني : إلى اللقاء يا أخي ، انتبه إلى نفسك و إلى أمي جيداً ، و أتمنى أن يحالفك الحظ و ألا يكون مصيرك مثلي .. و بإذن الله تجد عملاً جيداً يا سيادة المهندس .
قالها ثم انحنى و التقط حقيبته من على الأرض و قال : إلى اللقاء يا أخي .. إلى اللقاء .
ثم توجه نحو باب الخروج ، فسرت معه حتى خرج من الباب و أخذت أتابعه ببصري و هو يبتعد و رأيته يلوح لي بيده مودعاً من بعيد بلحوت له أنا أيضاً بيدي ثم بعدها أختفى من الأفق ..
أختفى تماماً .
-----------------------------------------------------------------------------
" أخي "
قلتها بلوعة شديدةٍ و أنا أدلف إلى تلك المستشفى التابعة لذلك الميناء فور سماعي لذلك الخبر بغرق تلك الباخرة التي رحل عليها ، تاركاً أمي في بحر من الدموع و الألم في المنزل ..
لم أكد أدخل حتى توجهت إلى أقرب المسئولين بالمكان و قلت له في انفعال : أخي .. أين أخي ؟
نظر إلي و قال في لا مبالاة : ما هو أسمه ؟
قلت له : سامح عبد المجيد صبري .
أخذ يراجع بعض البيانات أمامه ثم قال باقتضاب : البقاء لله .
عندئذ صرخت في وجهه : ما الذي تقوله يا هذا ؟ هل تمزج ؟
قال لي في صرامة : أليس هو ذلك الشاب الذي كان على متن تلك الباخرة الغارقة ؟
قلت له و شفتاي ترتجفان : بلى ، هو .
قال في برود مستفز : كما قلت لك سابقاً ، لقد كان من ضحايا تلك الحادث ، البقاء لله ..
 و ..
و لست أستطيع أن أصف تلك المشاعر التي انتابتني في تلك اللحظة العصيبة ..
انتابني الغضب ..
و الحزن ..
و الألم ..
و الثورة ..
كنت أود أن أنفجر في من أمامي و كأنه المسئول عن تلك الحادثة و عن غرق تلك الباخرة ..
و لكني لست أدري حتى الآن كيف استطعت التماسك و أن أقول لذلك الرجل : و أين .. أين هو ؟
أشار إلى باب إحدى الغرف ..
و بدون أدنى تفكير ، توجهت إلى تلك الغرفة و فتحتها ..
و داخلها كانت ترقد الجثث ..
و لست أدري كيف جاءت لي الجرأة الكفاية للنظر إليها ، فمنها المحترق و منها المشوه و المليء بالجروح و غيرها و التي كانت كفيلة ببث الذعر في أشجع القلوب ، و لكن برغم كل ذلك تابعت بحثي داخل أروقة المكان ..
و أدهشني أكثر أنني عثرت عليها بتلك السرعة ..
على جثته ..
جثة أخي ..
سامح ..
و بسرعة توجهت إليه و نظرت إلى وجهه المتسم بشحوب الموتى و عيناي تذرفان الدموع في صمت ..
و أمسكت بيده و انحيت وجهي على صدره ..
و هنا أقتحم بعض الرجال المكان ..
و لكنني لم أبالِ بهم على الإطلاق ..
استرخيت على صدره و دموعي مستمرة في الانسدال .. 
و بعدها أظلمت الدنيا أمام عيناي .
--------------------------------------------------------------
بعد مرور بضعة سنوات
" لقد طردوني من العمل "
قلتها بحسرة و ألم شديدين و أنا أواجه أمي شاحبت الوجه ، و تابعت بسخرية مريرة :
لقد قال لي المدير أنني أتدخل فيما لا يعنيني ..
لقد أزاحوني عن الطريق حتى لا أكشف مخالفاتهم العديدة و لكي لا أعارض مخططاتهم ..
أعتذر منكِ يا أمي ، لقد مصدر رزقنا ، و لكنني لم أستطع تجاهل أعمالهم الحقيرة تلك قط .
قالت لي أمي في محاولة لتشجيعي :
لا تعتذر يا ولدي ، فطالما قد فعلت ما تؤمن بأنه صواب و أرحت ضميرك فلا تخشَ شيئاً قط و ثق بأن الله سينصرك دائماً .
نهضت و قلت محاولاً أن أبدو مبتسماً : أشكرك يا أمي كثيراً .. أشكرك .
قلتها ثم توجهت إلى غرفتي في صمت .
------------------------------------------------------------------------------
دخلت إلى غرفتي و توجهت إلى الفراش و استندت إلى حافته بظهري ..
في تلك اللحظة كنت أشعر بألم الدنيا كلها ..
شعرت بأن المستقبل مظلم أمامي ، و أنني قد خسرت كل شيء ..
و عند هذه النقطة ، شعرت بغضب و حنق و سخط لا مثيل لهم ..
بكل ما حدث لي سببه شيء واحد ..
الفساد ..
الفساد الذي أحاط بكل ما يحيط بنا حتى أصاب الهواء الذي نتنفسه ..
هو سبب وفاة والدي ، و غرق أخي ، و ضياعي ..
و عند هذه النقطة شعرت بغصة في حلقي ..
شعرت بأنني سأختنق ..
فنهضت من على الفراش ..
و توجهت إلى متنفسي الوحيد ..
جهاز الكمبيوتر ..
ذهبت و فتحت الجهاز و دخلت على الانترنت و أخذت أتصفحه في صمت ..
كل شيء بدا عادياً كالمعتاد ، و سرعان ما أصابني الملل و نوبت إغلاقه و أن أذهب للنوم قليلاً و ..
و فجأة لمحتها ..
لمحت تلك الصفحة ..
فتحتها و طالعتها في سرعة ..
و هنا و لأول مرة ارتسمت على شفتي ابتسامةً واسعة .
للغاية ..
----------------------------------------------------------------
فجأة دوت تلك الرصاصة ..
و بدويها أفقت من نهر ذكرياتي العميق ..
أصابت الرصاصة ساقي ، وسالت الدماء منها بغزارة شديدة ..
ترنح جسدي بعنف و كدت أسقط أرضاً ، لولا أنني استندت بيداي على الأرض بقوة ..
و استجمعت كل طاقتي للنهوض ، و لكن هنا أصابتني رصاصة أخرى في صدري ..
و هنا هرع الناس حولي في سرعة ليحاولوا اسعافي ..
 و لكنني لم أعرهم أدنى اهتمام ..
فقط نظرت إلى أعلى ، و لمحت طيفي أبي و أخي مجدداً ..
كان هذا كفيلاً بأن يمحو كل آلامي ، و أن يحفز كل عضلاتي ..
و استمرت الأجساد في التساقط من حولي و أُريقت الدماء أنهاراً برصاصات رجال الأمن ذوي الزي الشبحي الأسود الغادرة في قلب ذلك الميدان العريق ..
و برغم كل آلامي نهضت مستنداً على من حولي ، تجاهلت دمائي التي أخذت تهطل بغزارة الأمطار و استجمعت كل طاقتي صائحاً :
الشعب يريد إسقاط النظام .
لست أدري ماذا حدث بعدها بالضبط ، و لكن بدا و كأن جملتي تلك قد أثارت الحماسة في كل من حولي ..
و ترددت تلك الصيحة في كل مكان ..
لم يخشوا أبداً تلك الطلقات الطائشة ..
ارتاح قلبي بشدة ، و تأكدت بأنني قد فعلت كل ما بوسعي ..
و برغم دمائي الغزيرة تمكنت من الوقوف بدون مساندةٍ من أحد ..
و لكن فجأة أصابتني رصاصة أخرى في صدري ، عندئذ سقطت أرضاً و لم أتكبل حتى عناء محاولة الوقوف فلم يعُد يهمني ذلك ..
لقد أديت دوري ..
أخذت أشاهد حماسة الناس من حولي في سعادةٍ بالغة ..
  ثم سمعت تلك الكلمات قادمةً من بعيد :
" قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية و تسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة "
عندئذ أشتعل الميدان فرحاً ، و ارتفع علم مصر عالياً مرفرفاً ..
 نظرت إلى الأعلى و لمحت طيفهما مجدداً و لكن هذه المرة كانا يبتسمان ..
عندئذ ابتسمت أنا الأخر و أغلقت عيناي في اطمئنان .

الخميس، 4 أغسطس 2011

على من شتفق أكثر ؟

في واقعة تاريخية و فريدة ، ستبقى عالقة في ذهننا ما حيينا ..
بدأت في اليوم الثالث من أغسطس عام 2011 أولى جلسات محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك ، بالإضافة إلى نجليه علاء و جمال مبارك ، و رجل الأعمال حسين سالم ، و وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بالإضافة إلى ستة من معاونيه .
قبل التطرف إلى أي تفاصيل ، دعونا نتفق أولاً على أن تلك المحاكمة تاريخية و فارقة في تاريخ مصر بأي حال من الأحوال ..
فهي تعني بدأ عهد جديد تكون القاعدة السائدة فيه هي العدل و عدم التمييز بين مصري و أخر ، و أن يكون الجميع أمام القانون سواء .
في البداية أود أن أذكر بضعة مشاهد استفزتني للغاية :
* مشهد ابتسامة حبيب العادلي الواسعة ( تقولشي جورج كلوني ) و مصافحته للضباط بنفس الابتسامة السمجة التي تجعلك تظن انه رئيس الانتربول ، و ليس مجرد وزير داخلية سابق و متهم في قضايا عدة ..
محكوم عليه باثني عشر عاماً و البقية تأتي !
* المشهد يكرر نفسه تقريباً مع علاء مبارك مع ابتسامة أخف و مصافحة أقل حرارة لشخص آخر ، مع احترام مبالغ فيه ، لا نجده مع أي متهم عادي ، حيث يتم اقتياده بمنتهى الأدب و اللباقة و كأنه ملك مبجل ، و في منتصف المسافة يقوم علاء بك مبارك بوضع يده على كاميرا التصوير ( شوف الكسوف ) و حرمنا من رؤية وجهه الوسيم الذي لا ينافس بريقه سوى توم كروز فحسب .
و كل هذا و هو ممسك بمصحف الله الشريف بيديه ، و كأنما أصبح فجأة الشيخ علاء .
بالطبع الله أعلم بالنيات ، و لكن أين كان هذا الإيمان سابقاً ؟!!
أين كان هذا الإيمان عندما نهبتم أموال الشعب قرشاً قرشاً ؟!!
أين كان هذا الإيمان عندما زهقتم الكثير من أرواحهم و سفكتم الكثير من دمائهم ؟!!
ألم يظهر ذلك التمسك بكتاب الله سوى الان ؟!!
* و بالطبع مشهد دخول شقيقه جمال مبارك بنفس الثقة و الغرور مع وجه جامد لا ترتسم عليه أي ابتسامات .
* و الان حان دور المشهد الاكثر إثارةً للضحك من بين المشاهد الهزلية العديدة ..
ذلك المشهد داخل قاعد المحاكمة عندما قال جميع المتهمين " أنكر جميع التهم الموجهة إلي "
هنا ، يُطرح سؤال بالغ الأهمية :
من إذن المذنب و المتسبب في هذه الكوارث ؟!
ربما أنا ؟
ربما انت عزيزي القارئ ؟
من يدري ؟!
و لكن ألم تلحظوا معي شيئاً غريباً ؟!
و هو ذلك التناقض المدهش بين جلوس الرئيس السابق بوهن على ذلك السرير ، وبين لهجته الصارمة و القوية أثناء إنكاره لتلك التهم ؟
و الان لو كان حقاً بهذا الضعف ، فكيف كان يحكمنا طيلة ثلاثون عاماً إذن ؟ كيف ظهر في ذلك الخطاب الذي سبق التنحي بيوم واحد فحسب ؟!
هل أخذ المرض يشفق من أن يصيبه أثناء حكمه لنا فتنهار مصر و ينهار شعبه المسكين ، فانتظر رحيله عن الحكم ، ثم أنقض عليه ؟
من يدري ؟!
------------------------------​------------------------------​----------------
كم أتعجب عن هؤلاء الذين يدافعون الرئيس السابق حقاً ؟!
آمنت دوماً بمبدأ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ..
و أنه ما من شخص ما أو رأي ما ، يجمع عليه جميع الناس ..
و لكني لم أعتقد يوماً إمكانية أن يوجد خلاف على هذا قط ..
كيف لشخص ما مهما كان مكانته أن يفلت من العقاب ؟
انها كارثة بحق !
فيهذا نحن نفسح المجال لأي رئيس قادم مستقبلاً بأن يأتي و يفعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب ، و ينهي حكمه بهدوء دون أن يجرؤ أحد على محاكمته بحجة أنه رئيس !
كيف بالله عليكم يُعقل أن نتغاضى عن تنفيذ حدود الله ؟!
تذكروا الواقعة الشهيرة في عهد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عندما حُكم على امرأة من أشراف القوم بقطع يدها ..
و خاف قومها من العار فأخذوا يبحثون عن شخص يتوسط لهم عند رسول الله فرفض جميع من طلبوا منهم ، و لكن بعد ضغط شديد على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وافق ، فذهب لرسول الله (ص) ليطلب منه العفو عن تلك المرأة و توقع منه الموافقة ، و لكنه إذا برسول الله يغضب بشدة و يقول لأسامة : هل تشفع في حد من حدود الله ؟
ثم ذهب ليخطب في المسلمين و قال صلى الله عليه و سلم :
( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
ما قولكم الان ؟
------------------------------​----------------------------
كم أضحك كثيراً عندما يقول البعض أن الرئيس السابق ليس مذنباً أصلاً لتتم معاقبته !!!
لم أستطع أن أهضم تلك العبارة قط !
بأي منطق يكون غير مذنب ؟
و هل هو برئ من أي تهمة بالضبط ؟ في قائمة الاتهامات الطويلة تلك و التي لا يسعنا الوقت لذكرها و لكن أعتقد انه لا احد يجهلها بعد جلسة اليوم ؟
هل هو برئ من تهمة قتل المتظاهرين حقاً ؟
كيف لم يكن على علم بتلك الأوامر بقمعهم و سحقهم سحقاً !
و لنفرض أنه برئ من تلك التهمة ؟
هل هو برئ من تهمة تدمير أحوال البلاد من جميع الجوانب ؟
تدمير اقتصاد البلاد ..
تدمير أحوالها الاجتماعية ..
تدمير أحوالها السياسية ..
و غيرها من الكوارث الأخرى ..
سيقول البعض أن لا علاقة له بهذا و أن كل هذا الفساد ناجم عن الوزراء و المعاونين و غيرهم ..
هذه في حد ذاتها نكتة كبيرة ..
و كارثة أخرى أيضاً ..
فكيف بأي حال من الأحوال ألا يعلم رئيس جمهورية بكل سلطاته بأحوال البلاد و بما يفعل وزراؤه و معاونيه و أبنائه فيها ؟
هذه ليس مبرراً ، بل تهمة جديدة تضاف إلى قائمة الاتهامات الطويلة ..
أليس هو من عينهم ؟
أليس هو من اختارهم ؟
أليس هو و أبنائه و وزراؤه و معاونيه السبب في تدمير مصر عن بكرة أبيها ؟!
تدمير كل آمال مواطنيها في الحياة حياةً كريمة ..
تدمير آمال الشباب في العثور على عمل يناسب مؤهلاتهم ..
تدمير آمال كل مسن بأن يجد الرعاية الصحية الصحيحة ..
تدمير آمال كل مريض بأن بجد الدواء السليم ..
تدمير كل آمال مصر في الرقي و اللحاق بركب التقدم ؟
أليس هم السبب في إراقة الدماء المصرية الطاهرة ؟! و ذلك كله لأن أرادوا التعبير عن رأيهم بحرية تامة ؟
تخيلوا معي ما الذي كان سيحدث لو لم تنجح الثورة ؟!
حياتنا كانت ستتحوا إلى جحيم حقيقي أكثر من سابقه ؟
ألم تشفقوا على مصر منهم ؟
ألم تشفقوا على أبناء مصر من أهلكم منهم ؟
هذا هو السؤال :
علم من تشفق أكثر ؟
حسني مبارك الرئيس السابق ؟
أم أبناء مصر ؟
اترك لكم الإجابة .
;