بحث في المدونة

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

آلة الزمن : كاملة < تم التعديل >


1 – نظرية
" نجحت "
قالها بروفيسور علام حلمي عالم الفيزياء المصري الشهير بصوت خرج – رغمهاً عنه - جهورياً و ترددت أصداء صيحته تلك داخل منزله و الذي يحوي معمله الكبير و المجهز في أحد المناطق النائية و الهادئة بهضبة المقطم .
و قد أكتشف ذلك عندما أقتحم عليه باب معمله الخاص تلميذه و مساعده ياسر - و قد كان شاباً طويل القامة و نحيلاَ أسود الشعر و أسمر البشرة  - الذي صاح فور دخوله  :
ماذا حدث يا بروفيسور ؟
انتفض البروفيسور بشدة و كأنما  قد أصيب بشلال من الماء البارد ، و التفت خلفه ليواجه ياسر قائلاً : لا .. لا شيء .
ثم صمت و أخذ يرمقه بنظرات اتضحت فيها بعض الهالات السوداء حول عينيه و تابع قائلاً : تفضل يا ياسر ، أدخل و أغلق الباب خلفك .
تردد ياسر و وقف مرتبكاً لبضع ثوان ثم دلف إلى الداخل و أغلق الباب بتروِ .
تقدم ياسر ببطيءٍ نحو بروفيسور علام قائلاً : نعم بروفيسور ، أنا رهن أشارتك .
قال له البروفيسور بصوت مُنهك : اجلس يا ياسر .. اجلس .
جلس ياسر على الكرسي المواجه للبروفيسور مباشرة ً بهدوء .
تنهد البروفيسور بعمق ثم قال : سأحدثك الان في أمر هام للغاية ، و لكن في البداية أدين لك باعتذار .
بدت ملاح الدهشة على وجه ياسر فاستطرد البروفيسور : لأنني أخفيت عليك شيئاً ما خلال الفترة الماضية .
قال ياسر متسائلاً بدون أن تفارقه الدهشة : أي أمرٍ هذا ؟
رد البروفيسور بهدوء : ستعرف كل شيء يا ولدي ، فقط تحلى بالصبر .
قال  ياسر مرتبكاً و قد ارتسمت آيات الحرج على وجهه : معذرة يا بروفيسور .
تنهد البروفيسور بعمق أكبر ثم قال : أنت تعلم يا ياسر أنك تمثل بالنسبة لي أكثر من مجرد تلميذ و مساعد مجتهد و نابغ و موهوب  و مثقف.. بل أعتبرك ولدي الذي لم أنجبه ، فأنا لم أتزوج و ليس لدي ابناء كما تعلم .
تضرج وجه ياسر  بحمرة الخجل و قال في حرج : هذا شرف كبير لي يا سيدي .
تابع البروفيسور و كأنما لم يسمعه : و الان أنا أود أن أطلعك على سر كبير و خطير للغاية ، للدرجة التي اضطرتني إلى العمل في سرية بالغة بعد انصرافك و التكتم على الأمور تماماً , و آمل أن تعذرني في ذلك يا ولدي .
صمت البروفيسور برهة ليلتقط أنقاسه اختلس فيها نظرة ً إلى ياسر الذي بدا على وجهه الحيرة و الترقب ثم تابع بلهجة درامية : و الآن حان الوقت لكي أكشف لك كل شيء .
انتزع ياسر نفسه من حالته تلك ليقول : كلي آذان صاغية يا سيدي .
قال البروفيسور في سرعة : عظيم
قالها  ثم نهض واقفاً من على كرسيه ، فشرع ياسر بالنهوض هو الآخر لكن أوقفته اشارة من يد البروفيسور الذي بادره قائلاً في حسم : اجلس يا ياسر و استرخِ تماماً  و أنصت إلي جيداً.
تسمر ياسر في مكانه ، فأخذ البروفيسور يدور في أنحاء الغرفة ثم توقف و توجه بنظره إلى ياسر قائلاً :
و الأن لنبدأ .
*********************************************************************
" بالطبع تعلم عالم الفيزياء الكبير البرت اينشتاين و نظريته الشهيرة النسبية أليس كذلك ؟ "
قالها البروفيسور علام مخاطباً ياسر الذي أومأ برأسه ثم أجاب قائلاً : هذا مؤكد .
تابع البروفيسور : و تعلم ما تقوله النسبية عن انكماش الزمن ، و الزمكان والبعد الرابع ، مما طرح فكرة السفر عبر الزمن على مائدة العلم للمرة الأولى بعد كانت مجرد مادةً بحتة ً لروايات الخيال العلمي فحسب .
و توالت المحاولات و الافتراضات في هذا الصدد ، و لم يكن أيهم كافياً لتأكيد الأمر أو حتى نفيه .
و حيث أنني كنت شغوفاً بتلك الأمور منذ أن كنت يافعاً بدأت محاولاتي في ذلك الموضوع و أخذت أغوص فيه أكثر فأكثر و توالت الأبحاث واحداً تلو الآخر ..
صمت برهة بلغ فيها ياسر قمة الاثارة و الترقب ثم تابع قائلاً :
حتى وضعت نظريتي الخاصة .
*********************************************************************
نظريتك الخاصة ؟ "
قالها ياسر في تساؤل مندهش بعد كلمات البروفيسور الأخيرة ..
فكرر البروفيسور و هو يتجه نحو نافذة المكتب : بلى .. نظريتي الخاصة .
سأل ياسر في فضول شديد : و ما هي تلك النظرية بالضبط ؟
عقد البروفيسور علام ذراعيه أمام صدره و استند بظهره إلى زجاج نافذة المكتب قائلاً :
حسناً أعرني كامل انتباهك ..
أومأ ياسر برأسه فتابع البروفيسور : بعد أن نشر اينشتاين لنظريته النسبية سادت حالة من الجدل الشديد في الأوساط العلمية حول إمكانية السفر عبر الزمن و أخذوا يتجادلون في الجزئيات التي تطرح ذلك الموضوع بصورة مباشرة و تناسى أغلبيتهم باقي محتوى النظرية ..
 فأخذت أبحث أنا في باقي النظرية عما قد يخدم تلك النقطة ، و في الحقيقة أصابني إحباط شديد حيث لم يجدي ذلك بفائدة كبيرة ..
حتى بدرت إلى ذهني فكرة ً بدت لي عجيبة ً للغاية و لكن في الوقت ذاته بدت لي الأقرب إلى المنطق و منها وضعت نظريتي التي تقول ..
صمت لحظة التقط فيها نفساً عميقاً ثم تابع : .. أن جميع البشر يسافرون بالفعل عبر الزمن !
***********************************************************
سادت موجة من الصمت المطبق داخل مكتب البروفيسور علام حلمي صاحبتها انفجار قنبلة من التفكير العميق داخل عقل ياسر الذي عقد حاجيه في شدة محاولاً استيعاب جملة البروفيسور الأخيرة .
و بدا و كأن البروفيسور قد أدرك حالته فمنحه الفرصة للتفكير بتوقفه عن الحديث لبضع دقائق حتى وضع ياسر يده على جبهته و هز رأسه بقوة قائلاً :
أستسلم يا بروفيسور .. لا استطيع استنتاج أي شيء .
ابتسم البروفيسور في رصانة و قال : حسناً سأخبرك أنا ما أعنيه إذن .
قالها ثم التقط نفساً عميقاً للغاية و أغلق عينيه و هو يقول في استمتاع عجيب : في البداية أحب أن أنوه لك عن شيء ما بخصوص الحركة في الأبعاد الثلاثة الأساسية و هي الطول و العرض و الارتفاع ..
فنحن نتحرك طولاً و عرضاً بحريةٍ شديدةٍ نسبياً بالسرعة التي تمكننا منها أقدامنا ، ثم اخترعنا السيارات و القطارات و الدرجات و غيرها من وسائل المواصلات المختلفة و التي سهلت تلك الحركة و جعلت أسرع كثيراً
و كذلك اخترعنا السفن التي مكنتنا من عبور البحار التي كانت بمثابة حواجز تحول بيننا و بين المزيد من الاكتشافات و كذلك كبلت حركتنا الحرة طولاً و عرضاً
أما بالنسبة للبعد الثالث و هو الارتفاع فقديماً كانت حركتنا فيه محدودة ً للغاية حيث كانت البداية قفزات الانسان البدائي المحدودة للحصول على غذائه من الاشجار المختلفة ، ثم حدث التطور شيئاً فشيئاً فاخترع الانسان السلم ليصعد عليه خطواته الأولى لحركة أكثر حرية في البعد الثالث .
صمت البروفيسور بضع ثوانِ لم يفقد ياسر أدنى قدرٍ من تركيزه فيها ثم تابع قائلاً :
ثم المنطاد الهوائي الذي يُعد بمثابة  البداية الحقيقية لذلك النوع من الحركة في الفراغ ، ثم الطفرة و اختراع العصر و هو الطائرات بتطوراتها و أنواعها المختلفة الذي مكنت الانسان أخيراً من أن يجوب الأرض في أبعادٍ ثلاثٍ متحدياً الجاذبية الأرضية ، و أطلق العلم حينئذ صيحة النصر ..
ثم تطور الأمر أكثر فأكثر لاختراع الطائرات الكونكورد في فرنسا و التي تتجاوز سرعة الصوت و التي كانت
طفرةً هائلةً في عالم الطيران المدني ، ليضحك العلماء أكثر و أكثر ليخدعوا أنفسهم أكثر و أكثر بأنهم قد اكتشفوا كل ما يمكن اكتشافه
ثم تم منع استخدام تلك الطائرات دولياً لثبوت اضرارها بالبيئة بسبب الغازات المتصاعدة منها ، و إن ظلت مثيلاتها من الطائرات العسكرية تُستخدم في مختلف دول العالم بالطبع
و كان ذلك بمثابة الصفعة التي أفاقت العلماء و أنذرتهم من ضريبة التطور التكنولوجي المُفرط و هي التأثيرات السلبية على البيئة
و على كُلٍ استمر العلم في التطور أكثر فأكثر ، فدخلنا عصر الفضاء من أوسع أبوابه باختراع المكوك الفضائي و سفن الفضاء المختلفة و تسابقت الدول العظمى على الدخول في هذا العالم الواسع، ليقهقه العلماء مجدداً بنشوة النصر الزائف .
صمت مجدداً لبضع دقائق أخذ يجوب في الغرفة فيها ليعطي فرصة لياسر في استيعاب ما قال  ثم عاد إلى موضعه مجدداً و تابع قائلاً :
و تناسى الجميع البعد المتبقي و الذي لم يُزح عنه  الستار بعد و هو الزمن ..
تناسى الجميع في غمرة التقدم أمر النسبية و اينشتاين
لم يفكر الكثيرين في أهمية الربط بين السفر في الفضاء و السفر عبر الزمن
كانت معظم المحاولات في ذلك الشأن محاولات محدودةً للغاية و فرديةَ أيضاً و نجاحها كان في حدود ضيقةً جداً 
و لكنني في الفترة الماضية فكرت بطريقةٍ مختلفةٍ للغاية ، فكرت و رأيت الأمور من منظور الأبعاد الأخرى المنظور الذي يقول اننا كنا في الماضي نتحرك في بُعدي الطول و العرض حركةً محدودةً ولم نكن نستطيع الحركة ارتفاعاً و قهر الجاذبية الأرضية إلا لمسافات ضئيلة حتى اخترعنا ما يمكننا من ذلك ، فالأمر نفسه ينطبق على الحركة في الزمن فنحن يمكننا التحرك أو نتحرك بالفعل – في البعد الزمني و لكن بمقدار ضئيلٍ للغاية و في اتجاه معين لا يمكننا تغريبه .
صمت بضع لحظات ليشاهد الانفعالات على وجه ياسر الذي بدا مشدوهاً فابتسم و تابع : و المقدار هو الثانية الواحدة و الاتجاه هو للأمام أو المستقبل ..
و ما أعنيه هو اننا نسافر بمقدار ثانية واحدةً للمستقبل ، و بصورة أكثر وضوحاً هي أن جميع البشر يسافرون بالفعل عبر الزمن و لكن إجبارياً مع كل ثانيةٍ تمر إلى المستقبل و هكذا تمر الثواني و الدقائق و الأيام فعمر الانسان يساوي مقدار الزمن الذي قطعه في حياته .
 و بذلك نحن عدنا إلى نقطة ما قبل اختراع الطائرات و غيرها من وسائل الانتقال في البعد الثالث ، حيث لم نكن قادرين على التحرك لأعلى إلا قليلاً جداً بسبب قوة الجاذبية ، و كذلك نحن لا نستطيع التحرك في الزمن إلا بذلك المقادر الضئيل صوب اتجاه واحد و هو المستقبل
فنحن لا نستطيع التحرك بمقدار أكبر من ثانية إلى الامام و كذا لا يمكننا في الظروف العادية إدارة عجلى دوران الزمن إلى الخلف قط .
تكلم ياسر أخيراً بعد صمت و ذهول طويلين متسائلاً : هذا يثبت إذن أن السفر عبر الزمن غير ممكن عملياً إذن ، أليس كذلك ؟
حرك البروفيسور رأسه نافياً و هو يبتسم قائلاً :
بل أن ذلك يثبت أن السفر عبر الزمن ممكن ، ممكن تماماً .
و تسيد الصمت الموقف  .
***********************************************************
2 - الآلة :
" ماذا تعني يا بروفيسور ؟  "
قالها ياسر في غمره ذهوله و انبهاره مخاطباً بروفيسور علام حلمي ، فابتسم البروفيسور قائلاً : أعني ما قلته تماماً يا ياسر ، أن السفر عبر الزمن ممكن و ممكن جداً .
 تضاعفت حيرة ياسر أكثر و أكثر و قال مخاطباً البروفيسور : ألي بمزيد من التوضيح من فضلك ؟
اتسعت ابتسامة البروفيسور أكثر بتضاعف حيرة ياسر و قال موضحاً : الأمر بسيط للغاية يا ياسر و فتى ذكي مثلك ينبغي أن يدركه بسهولة .
قال ياسر و قد أحس بالخجل : اعذرني يا بروفيسور و لكن ذهني قد تشتت للغاية .
قال البروفيسور بدون أن تفارقه ابتسامته : لا عليك يا ولدي ، أنا أقدر ذلك .
توقف بضع لحظات ثم استطرد : الأمر يا ولدي اننا كما كنا في الماضي قليلي الحيلة في الحركة ارتفاعاً قبل اختراع الطائرات و الصواريخ و كذا محدودي الحركة في طولاً و عرضاً  قبل اختراع السيارات و وسائل النقل المختلفة ، فالأمر نفسه ينطبق على البعد الزمني فنحن لا نسير إلا بمقدار ضئيل للغاية و هو ثانية واحدة و في اتجاه واحد فقط و هو المستقبل ، إلا إذا ..
صمت برهة ليلتقط أنفاسه ثم تابع :
 ابتكرنا ما يمكننا من كسر تلك الحواجز ..
 ابتكرنا ما يُعد حلماً يداعب عقول العلماء في كل زمان و مكان و ما سبقهم إليه الأدباء ..آلة الزمن ، و التي أخيراً تمكنت أنا من اختراعها .
اتسعت عينا ياسر في ذهول شديد و قال متلعثماً :
حــ... حــ... حقاً !
قال البروفيسور في نشوة : نعم ، حقاً يا ياسر .. حقاً .
قال ياسر بدون يفارقه الذهول :
و لكن ، هذا مستحيل ، مستحيل ! و لا يمكن أن يُصدق قط !
جلس البروفيسور أخيراً على أقرب المقاعد إليه و قال بهدوء :
بل هي الحقيقة يا ياسر .
هذه المرة هب ياسر واقفاً على قدميه و صاح بانفعال قائلاً :
هل أنت جاد يا بروفيسور ؟ و لكن كيف ؟ و متى ؟ و لما لم تعلن عن الأمر حتى الآن ؟!
قال البروفيسور بدون أن يفارقه هدوئه : اجلس يا ياسر و سأشرح لك كل شيء .
احمرت وجنتا ياسر و جلس و هو يقول في حرج : أعتذر منك يا بروفيسور ، لقد غلبني الانفعال بعض الشيء .
ابتسم البروفيسور مجدداً و هو يقول : لا بأس يا ياسر ، و الان سأشرح لك كل شيء .
***********************************************************
" أعتذر منك مجدداً يا ولدي "
أفتتح البروفيسور بتلك الكلمات الحوار مجدداً بعد بضع دقائق من الصمت ثم استطرد قائلاً :
لقد كُنت مُضطراً إلى إخفاء الأمر عنك لحين الوصول إلى نتائج مُرضية ، و الان فقد وصل الأمر إلى مرحلةٍ تلزمني بإخبارك كل شيء ، و ها قد فعلت .
غمغم ياسر :
و لكن اعذرني يا بروفيسور ، فالأمور لا تزال مبهمةً بالنسبة إلي ، فأنت لم تٌجِب على أسئلتي بعد .
قال البروفيسور : أعدها على مسامعي من فضلك .
تنهد ياسر ثم قال متسائلاً : متى قمت بكل بهذا ؟ و ما طبيعة تلك الآلة بالضبط ؟ و لما لم تعلن عن ذك الكشف الهائل للآن ؟
تنهد البروفيسور بدوره و هو يجيب قائلاً : كنت أقوم بتجاربي بعد انتهاء فترة عملك هنا ، فأسهر الليل بطوله في الأبحاث و التجارب و لم أكن أنم إلا ساعة أو اثنتين فحسب ، مما تسبب بإرهاقي في الفترة الأخيرة كما تلاحظ ، و لقد انتهيت أخيراً من عملي منذ لحظات و قد غلبتني السعادة و وجدت نفسي أهتف بذاك الصوت المرتفع .
ثم صمت عن الحديث ليرى انفعال ياسر الذي أكتفى بإيماءةٍ من رأسه و لم ينبس ببنت شفة فاستطرد قائلاً :
أما عن طبيعة تلك الآلة فهي مبنية على نظريتي الذي استفضت في شرحها لك منذ لحظات .
انعقد حاجبا ياسر في شدة و هو يسأل :
هل تعني .. ؟
قاطعه البروفيسور قائلاً و قد برقت عيناه في زهو : نعم يا ياسر ، ستكون تلك الآلة بمثابة المركبة التي تمكننا أخيراً بحركةٍ أكثر حرية في البُعد الزمني ، عن طريق تركيبة مُعقدة من الموجات لا وقت لشرحها الآن و لكن يكفي أن تعلم أنها تقوم على مبدأ انكماش الزمن .
بلغت الاثارة ذروتها عند ياسر و هو يسأل : و لكن يتبقى سؤالي الأخير يا بروفيسور ، كيف تتكتم على ذلك الكشف العظيم ؟
خبا بريق عينا البروفيسور و هز رأسه في ضجر و كأنما قد أوقظه سؤال ياسر من حلمٍ جميلٍ و قال بلهجة آسفةٍ و هو يواجه ياسر برأسه : لأنه و للأسف ما زالت تنقصني اللمسة الأخيرة و الخطوة الحاسمة قبل إعلان الأمر .
أثارت جملته انتباه ياسر فاعتدل في جلسته و هو يتساءل :
و ماهي تلك الخطوة ؟
اكتسى صوت البروفيسور بالحزم و هو يجيب : التجربة ..
.. التجربة العملية .
و لمرة أخرى ، غزا شبح الهدوء المكان .
***********************************************************
 ظل الهدوء و الصمت المصحوبين بالتفكير المطبق مخيماً على المكان ملياً ، حتى كسره البروفيسور أخيراً و يقول لياسر متسائلاً : ماذا قلت ؟
انتزع سؤال البروفيسور ياسر من تفكيره العميق و سأل : رأيي فيم ؟
أجاب البروفيسور : في أن تعينني للتجربة العملية للآلة .
تساءل ياسر قائلاً : هل تقصد تجربة السفر زمنياً بها ؟
أومأ البروفيسور برأسه و قال : بالطبع ، و ماذا غير ذلك ؟ و أنا أطلب منك أن تصحبني في تلك الرحلة .
قال ياسر باضطراب : و لكن يا بروفيسور برغم جهلي بثنايا الأمر و لكني أعتقد إن هذا الأمر خطير للغاية .
قال البروفيسور في حزم : أنت مُحق بالفعل يا ياسر ، الأمر خَطِرٌ إلى أقصى حد و غير مأمون العواقب مطلقاً ، فإن أخطئت حساباتي و لو بمقدار ضئيل قد نبقى في زمن غير زمننا للأبد أو نعلق في مجرى الزمن أو ربما لا يتحمل أحدنا أو كلينا مشقة السفر من الأساس  ..
و لكن للأسف ما من سبيل آخر غير التجربة العملية ، و إلا ستكون جميع أبحاثي و تجارُبي عديمة الفائدة ..
و لكنني في الوقت ذاته لا أرغمك على المخاطرة إطلاقاً ، و لن ألومك قط إن رفضت ، و لكنني فقط عرضت عليك الأمر كي أكون قد أرحت ضميري ، و كذلك ليكون تكريمُ لك في حالة نجاح التجربة بإذن الله ..
فما قرارك ؟ هل ستسافر معي ؟ أم أذهب وحدي ؟
***********************************************************
 " سآتي معك "
قالها ياسر بحزم و هو يواجه البروفيسور الذي ابتسم لقوله و قال بدوره : كنت واثقاً من هذا ! ابتسم ياسر فاستطرد البروفيسور بجدية : و لكن دعني أحذرك مجدداً ، رحلتنا ستكون محفوفة بالمخاطر و غير مأمونة العواقب قط .
أومأ ياسر برأسه و هو يقول بنفس اللهجة الحازمة : أنا آتٍ معك يا بروفيسور و لن أتخلى عنك قط ، فقط كنت مذهولاً من المفاجأة ليس أكثر ، و لكنني لم أكن لأتردد في عونك أعلى الإطلاق .
عادت للبروفيسور ابتسامته من جديد و قال و هو ينهض : إذن دعنا لا نُضيع المزيد من الوقت ، هل أنت مستعد ؟
نهض ياسر بدوره و هو يقول في حماسة : أجل بالتأكيد ، أنا في توقٍ شديد لرؤية تلك الآلة .
غمز البروفيسور لياسر بعينه و هو يقول : إذن اتبعني و سترى العجائب !
قالها ثم توجه إلى أحد أركان المعمل و تبعه ياسر في صمت مترقب .
توقف البروفيسور أمام أحد الأركان و ضغط بأصبعه الإبهام على المسافة الفاصلة بين الحائط الأيمن و الحائط الأمامي وسط مراقبة ياسر و حيرته .
ثم فجأة تحول جزء ما من تلك المنطقة إلى ما يشبه لوحاً مربعاً من الزجاج المصقول شبه الشفاف ، ثم مر علي ذلك الزجاج شعاعاً وردي اللون ذهاباً و إياباً أسفل إبهام البروفيسور و قد خمن ياسر أنه جهاز لفحص بصمات الأصابع و لكنه كان متحيراً من نمطه العجيب ..
قطع حبل أفكاره تلون ذلك المربع الزجاجي بأكمله باللون الأخضر وسط تساؤلاته الصامتة بما يعنيه هذا ..
و فجأة ، اهتزت الأرض بصورة فاجأت ياسر حتى كاد أن يفقد توازنه لولا أنه تشبث بطرف مكتب البروفيسور الذي لم يبد عليه أي آثر للمفاجأة أو الذهول مطلقاً فسأله ياسر : ماذا يجري يا بروفيسور ؟!
و انتظر ياسر من البروفيسور أن يجيب و لكنه لم يفعل بل أكتفى بالابتسام فقط كعادته مما أثار حنق ياسر الذي آثر الصمت .
و بعد مُضي بضع ثوانٍ أنزاح الحائط من مكانه و أخذ يرتفع لأعلى ببطيء نسبي ثم بدأت الأرض تميل لأسفل لتبدو أشبه بممر منزلق .
بلا درجات يقود نحو تلك الغرفة الكبيرة التي انكشفت وراء الجدار .
حدث كل ذلك في مدة وجيزة لم تتخطً الثوانِ العشر ، لم يتفوه فيه أحدهما بكلمة واحدة .
التفت البروفيسور لياسر فوجده متسمراً في ذهول و قد استعت عيناه و فغر فاه مما جعل مظهره مضحكاً بشدة فضحك بوقار ثم حدثه قائلاً : ما بك ؟ أراك منبهراً ؟ أيروق لك هذا ؟
هز ياسر رأسه بشده و كأنما يحاول استيعاب ما حوله ثم قال بارتباك : ما الذي حدث ؟  لســ... لست أفهم أي شيء .
قال البروفسيور مفسراً : الأمر ببساطة أن تلك المساحة التي تراها خلف الجدار كانت زائدةً عن حاجتي عندما كنت أنُشأ معملي في البداية ، فخطر لبالي أن أجعلها معملاً احتياطياً مؤمنةً بجهازٍ خفي يتعرف على بصمات أصابعي ليكشف عنه كما ترى ، فقد خلت أنني قد أحتاجه يوماً ما و ها قد أتى ذلك اليوم
و بالفعل لقد أفادتني تلك الغرفة كثيراً في أن أجعلها معملاً  أميناً لأبحاثي تلك .
قال ياسر و قد بلغت الاثارة ذروتها في نفسه : كم أنت عبقري يا بروفيسور ؟!
تجاهل بروفيسور إطراءه و هو يقول بحزم : هيا اتعبني !
تبع قوله هذا بأن تحرك نحو ذلك المعمل المصغر الذي كان غارقاً في الظلام ، و عندما وصل إلى داخل الغرفة ضغط على زر الإضاءة لتشتعل الغرفة بالنور الذي كشف عما بداخلها
و قد كان مذهلاً ..
.. و بكل المقاييس .
***********************************************************
" و الأن أقدم إليك اختراع العصر آلة الزمن !  "
قالها البروفيسور بلهجة بدت – رغماً عنه - مسرحية للغاية ، بعد أن كشفت الأضواء محتويات الحجرة و منها آلة الزمن بالطبع .
و لكن ياسر لم يكن يحتاج إلى قول البروفيسور ذلك قط ، فقد أخذ يحدق بإعجاب في تلك الآلة التي كانت تقبع في  منتصف الحجرة تقريباً و قد كانت تبدو أشبه ببيضةٍ معدنيةٍ ضخمة متصلة بأسلاك ضخمة إلى مصادر للتيار الكهربائي .
لاحظ البروفيسور الانبهار الذي ارتسم على وجه ياسر فقالاً في لهجةٍ يكسوها الزهو :
رائعة ، أليس كذلك ؟
أجاب ياسر بحماس : بل مبهرة يا بروفيسور ، و إن نجحت تلك الآلة ستكون أعظم إنجاز في تاريخ البشرية .
سأل البروفيسور بجدية : والان ، سأقوم بتجهيزها لرحلتنا فهل أنت جاهز يا ياسر ؟
أجاب ياسر بنفس الحماس : بالطبع ، فلــ ....
قاطعه رنين هاتفه الخلوي فالتقطه من جيب سرواله و نظر لشاشته ليرى رقم الطالب فانعقد حاجبيه و هو يضع الهاتف على أذنيه مجيباً : مرحباً يا يسري ، كيف حالك ؟ .. بخير ؟ إذن ماذا هناك.. تريدني ؟ .. هل الأمر هام لتلك الدرجة ؟ .. حسنا حسناً أنا قادم على الفور .
 أغلق الخط و أعاد الهاتف إلى جيبه و التفت إلى البروفيسور بدون أن يتكلم ، فسأله البروفيسور : ما الأمر يا ياسر ، خيراً يا ولدي ؟
أجابه ياسر قائلاً في حرج : معذرة ً يا بروفيسور ، أنا مضطر للذهاب الآن ، و لكني لن أتأخر .
سأله البروفيسور : أقلقتني يا ياسر ما الأمر  ، و من كنت الذي تحدثه الآن ؟
هز ياسر كتفيه مجيباً في حيرة : أنه أخي يسري أخبرني أنه يريدني الآن في المنزل لأمر هام  لن يستغرق بضع دقائق و لن يعطلني ، و لكنني لا أملك أدنى فكرة عما يريد .
قال البروفيسور : حسناً يا ياسر اذهب و أنا في انتظارك لتطمئنني عندما تعود لنبدأ رحلتنا بإذن الله .
قال ياسر مبتسماُ : و أنا لن أتأخر ، سأرى ماذا يريد ، و سأستغل فرصة عودتي للمنزل في الاستعداد للرحلة .
قالها و غادر تلك الغرفة التي تحوي بداخلها تلك الآلة ..
.. آلة الزمن .
***********************************************************





3 – أسرار الماضي
دس ياسر مفتاح باب منزله البسيط و الذي يقطنه مع أخيه يسري في رتاجه و أداره مرتين لينفتح الباب كاشفاً عن غرفة جلوسه البسيطة كذلك التي كانت غارقة في ظلامٍ دامسٍ .
دلف ياسر بهدوء داخل المنزل و أغلق الباب من خلفه ثم جال ببصره في أرجاء المنزل بسرعة الذي بدا و كأنه خالياً تماماً ..
تساءل ياسر في نفسه : أين يسري يا ترى ؟ لقد أخبرني أنه سيكون في انتظاري هنا ؟
و ما انفك ياسر ينهي أفكاره حتى لمح شخصاً قادماً من أحدى الغرف و رغم الظلام الشديد استطاع ياسر التعرف عليه بسهولة فسأله مازحاً : مرحباً يا يسري ، ما هذا الظلام يا فتى ، هل تقوم بطقوس ما ؟
تجاهل يسري مزحته تماماً و توقف أمام ياسر تماماً بدون أن ينبس ببنت شفة فلاحظ ياسر للوهلة الأولى أنه يحمل شيئاً ما في يده فسأله عن ماهيته و هو يشير إليه بسبابته قائلاً : ما هذا الذي تحمله في يدك يا يسري ؟
نظر يسري إلى يده و أخذ يحدق بما فيها و كأنما لا يدري ما يحمله ثم صاح فجأة ً و كأنما تذكره : هذا هو الأمر الذي كنت أريد التحدث إليك بشأنه .
ثم استطرد ساخراً و هو يرفع ما بيده نحو وجه ياسر ليراه : هذا هو .
فاتسعت عينا ياسر و هو يرى ما بيد يسري و صاح و هو يشيح بوجهه قائلاً : لا .. ماذا ستفعل ؟!
****************************************************************************
أخذ البروفيسور يجول في أنحاء معمله السري الذي يحوي آلة الزمن في توتر شديد منتظراً عودة ياسر التي تأخرت كثيراً فقد امتد غيابه لساعةٍ كاملةٍ أو تزيد فأخذ يفكر في نفسه بقلق عن سبب هذا التأخر الشديد ، فقد أخبره ياسر أن الأمر لن يستغرق سوى دقائق قليلة ثم أن منزله ليس بالبعيد .
و بعد مرور ساعة و نصف الساعة  سمع البروفيسور صوت وقع خطوات أقدام فالتفت بلهفة إلى باب المعمل ليرى مصدره  فوجد ياسر يخطو من باب المعمل و قد عاد أخيراً فحياه بابتسامةٍ قائلا ً : مرحباً بعودتك يا ياسر ، ما سبب كل هذا التأخر ؟ لقد بلغ القلق مني مبلغاً .
قال ياسر مرتبكاً : معذرة ً يا بروفيسور فقد كنت أبدل ملابسي و أستعد لرحلتنا و كذا كنت أخبر أخي أنني سأتغيب لبعض الوقت حتى لا يصيبه القلق .
سأله البروفيسور في سرعة : و ماذا أخبرته ؟ إياك أن تكون قد أخبرته أي شيء عن الآلة ؟
ابتسم ياسر و هو يقول للبروفيسور مطمئناً : لا تخشَ شيئاً يا بروفيسور ، فقط أخبرته أنني سأرحل في رحلة عمل ، و لا أدري متى سأعود بالضبط .
عدل البروفيسور من وضع منظاره الطبي على أنفه و هو يقول بارتياح : أحسنت صنعاً .
قالها ثم اتجه نحو الآلة و هو يقول في حزم : و الآن سأفحص الآلة و أتأكد من كل شيء قبل أن نغادر في رحلتنا  .
سأله ياسر : هل أستطيع أن أساعدك بأي شيء يا بروفيسور ؟
أجابه  البروفيسور و قد انحنى يبدأ في فحص الآلة بانهماك : فقط أحضر لي حقيبة أدواتي من فضلك .
و لكن ياسر لم يحرك ساكناً و كاد أن يحرك شفتيه ليقول شيئاً ما ، و لكن غلبه التردد فسأله البروفيسور :   ما خطبك يا ياسر ، لما تقف متسمراً هكذا ؟!
قال ياسر و قد بدا عليه الارتباك : أردت فقط أن أسأل أين  حقيبة الأدوات تلك ؟
قال البروفيسور باندهاش : ما بك يا ياسر ؟ هل نسيت أنني أضعه دائماً في خزانة معملي ؟
قال ياسر للبروفيسور : آه .. معذراً يا بروفيسور لقد نسيت .. حسناً يبدو أنني مشتت قليلاً ، سأذهب لأحضرها في الحال .
قالها و ذهب لإحضارها على الفور بينما هز البروفيسور كتفيه في حيرة و عادة لينهمك في فصحه ريثما يعود ياسر ، الذي لم يلبث أن عاد سريعاً و هو يحمل تلك الحقيبة فأشار له البروفيسور بأن يناوله إياها فاقترب منه ياسر و جلس بجواره ثم فتح الحقيبة و وضعها له أرضاً .
فابتسم البروفيسور و نظر إلى ياسر قائلاً : شكراً يا ياسر ، و الآن ساعدني في ...
بتر عبارته و اتسعت عيناه و هو يحدق في ياسر بشدة ، فسأله الأخير قائلاً : ما الأمر يا بروفيسور ؟ لما تحدق بي هكذا ؟
أجاب البروفيسور و هو يواصل التحديق به : ذقنك ؟
تعجب ياسر و سأله متعجباً : ماذا بها ؟
سأله البروفسيور و هو ينهض قائلاً : كيف نمى الشعر في لحيتك عليها بتلك السرعة الكبيرة ؟ لم تكن كذلك منذ ساعتين !
حاول ياسر التماسك و لكن صوته بدا مرتبكا رغماً عنه و هو يجيب : لا يا بروفيسور ، أنها هكذا منذ الصباح ، يبدو أنك لم تنتبه و ...
قاطعه البروفيسور و هو يصيح في حدة :
كاذب ، لن تخدعني بكلامك هذا قط أنك لست ياسر ، لست هو .. لست أدري إن كنت متنكراً أو أنك تشبهه إلى هذا الحد ، و لكنت لست ياسر حتماً ، لقد شككت في أمرك عندما سألتني عن مكان حقيبة الأدوات ، فلا يمكن لياسر الذي يحفظ معملي عن ظهر قلب أن يسألني مثل هذا السؤال مطلقاً ، فهو على درايةٍ كاملة ٍ بأموري ، و لكني تجاوزت هذا الأمر ، و لكنني الآن تأكدت أنك لست هو و لا يوجد أدنى داعٍ للإنكار يا هذا .
 لم يجبه بأي كلمة و اكتفى بالابتسام فحسب ، فسأله البروفيسور في ثورة :
من أنت ؟ و أين ياسر ؟ و ماذا فعلت به ؟ تكلم !
و هنا أجاب الواقف أمامه بنفس الابتسامة :
يبدو أنك لست عبقرياً في الفيزياء فحسب يا بروفيسور علام ، بل أنك عبقري في الاستنتاج و الملاحظة كذلك .
صمت للحظات ثم استطرد قائلاً :
أنت محق بالفعل أنا لست ياسر ، و لكني لست بعيداً عنه .
قال البروفيسور : إذن من أنت ؟ و ماذا تفــ...
بتر عبارته ، عندما وجد ذلك الواقف أمامه ينقض عليه و ويوجه إليه ضربة قوية على رأسه بكلا قبضتيه ..
و حاول البروفيسور تفادي تلك الضربة ..
و لكنه كبر سنه حال ما دون ذلك ، و أصابت الضربة رأسه ..
.. و أظلمت الدنيا أمام عينيه .
****************************************************************************
فجأة أفاق البروفيسور من غيبوبته التي لم يدر كم من الوقت استغرقت بالضبط  ..
.. و حاول فتح عينيه و لكنه لم يتحمل شدة الضوء المفاجئة فأغلق عينيه مجدداً ثم أخذ يفتحهما بالتدريج حتى أبصر ما حوله أخيراً .
وجد أنه في معمله  السري يجلس مقيداً من يديه في احدى المقاعد الصغيرة و كانت آلة الزمن من أمامه و ..
" هل أفقت بهذه السرعة ؟ "
التفت البروفيسور إلى مصدر الصوت فوجد ياسر – أو من كان ينتحل شخصيته – ينظر إليه و قد كان يبتسم في سماجة ، فقطب البروفيسور حاجبيه في ضيق و صاح به في غضبٍ شديد ٍ :
من أنت ، و لما تقيدني هكذا ؟
نهض مواجهه واقفاً على قدميه و قال بدون أن تتلاشى ابتسامته : أنا أعتذر منك يا بروفيسور فأنا مضطر لتقييدك هكذا لذا اهدأ من فضلك و كن متعاوناً و سوف أخبرك بكل شيء فأنا مضطر إلى ذلك على أية حال .
صاح البروفيسور في حنق : كلي آذان مصغية .
أخذ يجول في الغرفة حول البروفيسور و هو يقول : كما أخبرتك مسبقاً ، أنا لست ياسر .
سأله البروفيسور في حدة : من أنت إذن ؟
ابتسم و أجاب قائلاً : أنا يسري .. شقيق سامر .. التوأم .
وهنا استعاد الصمت زمام الأمور من جديد .
****************************************************************************
 صمتٌ مصدوم أصاب البروفيسور عقب ذلك التصريح الخطير الذي أدلى به يسري ..
لم يدر ماذا يقول أو ماذا يفعل في تلك اللحظات ..
و قد لاحظ يُسري جموده هذا فقال : أقدر موقفك و ذهولك هذا و لكن أمهلني قليلاً ، و سوف تعلم بكل شيء .
لم يعلق البروفيسور بشيء ، فاسترسل يُسري في حديثه قائلاً :
كما ترى فأنا و ياسر لسنا مجرد توأمين متشابهين فحسب ، بل كُلٍ منا نُسخة كربونية للآخر و لولا قوة ملاحظتك و بديهتك العالية و خطأي الصغير لما كنت لاحظت أي شيء و لما اُضطرِرت لكشف أوراقي الان قط ..
 و لكنني على أي حال كُنت أضع في الحُسبان إمكانية أن يُكتشف أمري مبكراً ، و فوضعت خُطتي البديلة .
عقب البروفيسور في لهجةً تبدو أقرب إلى السخرية : يُكشف أمرك ؟ و خطة بديلة ؟! تتحدث كما لو كنت عميلاً محترفاً في أحد أفلام الجاسوسية القديمة .
تجاهل  يُسري تعليقه و تابع بابتسامةٍ واسعةٍ و كأنما لم يسمع : و لعلني محقاً في أنك تتوق لمعرفة خطتي العبقرية تلك في أن أستخدم آلتك الزمنية تلك في ..
توقف عن الحديث بضع ثوان ثم برقت عيناه و اتعست ابتسامته في شراسة مستطرداً : في الانتقام من ياسر .
****************************************************************************
" تنتقم ممن ؟! "
قالها البروفيسور في تساؤل مذهول غير مصدقاً ما سمعه ، فأجاب يسري مؤكداً : كما سمعت ، أنتقم من ياسر ، و أسترد حقي منه .
تساءل البروفيسور و قد بدا مشدوهاً : ماذا تقول يا هذا ؟ تنتقم من أخيك ؟ لماذا ؟ ماذا فعل لك ؟
التفت إليه يسري و هو يجيب : فعل الكثير ، و الكثير جداً .
صمت لحظات و شرد ذهنه و بدا أنه يستعيد ذكرى أليمة و هو يستطرد : كان هذا في الماضي .. ماضيه الأسود .
عندما استغلني ، أسوأ الاستغلال و بنى نجاحه على أنقاض مستقبلي الذي هدمه بأنانيته الُمفرطة .
بدا على البروفيسور الاهتمام و اعتدل و هو يحاول إرخاء قيوده : لماذا ؟ ماذا فعل لتقول كل هذا الكلام ؟
تابع يسري في لهجه تشوبها الأسى و كأنما لم يسمع تعليق البروفيسور :
لقد كانت أمي مريضة و قد لقيت حتفها بعد أن جاءت بنا للدنيا بأيامٍ معدودةٍ .
و لم يبقى لنا غير أبي الذي كان يرعانا أفضل الرعاية ، كان يعمل عملاً دؤوباً من أجل راحتنا .
 ثم و بعد أن أصبحت يافعاً شرعت أساعد والدي بأن أخذت أبحث عن عمل في أوقات إجازاتنا حتى أساعده في نفقات الدراسة و لا أزيد عليه المشقة ، بينما ياسر كان يجلس مرتاحاً لا يعبأ بأي شيء و لا يشعر بعنائنا ، و يحصل على ما يشاء بلا أدنى مشقة أو عناء .
صمت لحظاتٍ لم ينقص فيها شغف البروفيسور درجة واحدة ، ثم تابع بصوتٍ مرتجفٍ اللهجة وهو يقاوم الدموع التي تراكمت في عينيه : ثم توفي والدي آثر حادث أليم في عمله ، و تركنا وحدنا في الدنيا ، فلم يكن هناك بداً لنا سوى المزيد من العمل ، أو لي بصورةٍ أدق فياسر لم يكن يفعل شيئاً سوى اللهو و حتى في دراسته لم يكن يستذكر سوى المواد التي تروق له فحسب ، و يترك لي أنا ما لا يستسيغه منها .
كان دائماً يجلس أمامي في لجان الامتحانات ، فقد خدمه القدر بأن يبدأ كل من اسمينا بنفس الحرف ، لذا لم يكن يبذل مجهوداً في الاجابة سوى في المواد التي يحبها فقط و يترك لي أنا المواد الادبية لأنه يبغضها .
و لم يكن من العسير علي أن أفعل له ما يريد ، فلم أكن أهمل أي مادة من المواد مثلما كان يفعل هو و ساعدته فيما يريد في اختبارات الثانوية العامة و لكن ..
توقف عن الحديث ثم عقد حاجبيه في شدة و ضم قبضتيه و هو يتابع و قد ارتسم الغضب على كل خلجة من خلجات وجهه :
حتى جاء ذلك اليوم الاخير المشئوم من الاختبارات و كان في مادة علم النفس التي طالما كنت أعشقها حتى النخاع ، و كان ياسر يعلم ذلك جيداً فلم يتركني و شأني بالطبع حتى أنتهى من كل الاسئلة قبل أن أنهيها أنا حتى ، و لكن يا ليت الأمر أقتصر على هذا ..
تحدث البروفيسور أخيراً بعد فترة إنصاته الطويلة  متسائلاً : ما الذي حدث إذن ؟
أجاب يسري بنفس اللهجة الغاضبة : التفت أحد المراقبين إلي و رآني أثناء إخبار ياسر بإجابات الأسئلة و لسوء الحظ كان لهذا المراقب سابقةً معي لذا لم يتقبل مني أية أعذار و قام بسحب ورقتي و لم أكن قد أنهيت من كل الاسئلة للأسف .
توقف عن الحديث و ضرب الحائط بقبضته المضمومة في عنف ثم استطرد :
و هكذا ضاعت مني الكثير من درجات مادتي المفضلة و ضاع حلمي الأكبر في دخول كلية الطب .
****************************************************************************















4 – الصدمة
" غير ممكن  ! "
صاح البروفيسور بتلك الجملة باستنكار شديد
فالتفت إليه يسري متسائلاً فاستطرد موضحاً : لا يمكنني أن أصدق ما تقول و أن يكون ياسر قد قام بكل هذا ؟
 ، فقال يسري بلهجةٍ ساخرة ٍ : بل أن هذه هي الحقيقة بعينها ، لكن كان دائماً ما يحقد و يزعم أنني دائماً ما أتظاهر بالبراءة لأظفر بحب الناس وتقديرهم .
لم يعلق البروفيسور فأفسح صمته المجال ليسري لكي يتابع : و بعد هذه الخيانة ، و ضياع مستقبلي لم أجد ما شيء أفعله خيرُ من أن أنكب على كتب علم النفس ، فكما أخبرتك أنني أعشق هذا المجال عشقاً جماً .
و هنا صاح البروفيسور في ثورة : ما شأني أنا بكل هذا ؟ هذه مشكلتيكما معاً و لا يهمني أن أعرف سوى هدف مجيئك لهنا و ما الذي فعلته بمساعدي ؟
ضحك يسري في غير اكتراث و هو يجيب : هدأ من روعك يا بروفيسور ، ولا تتعجل .
صاح البروفيسور بلهجة تمزج بين الغضب و السخرية : أهدأ ؟! تقتحم علي معملي و تقيدني بدون وجه حق و تطالبني بالهدوء ؟! يا لك من وقح .
تظاهر يسري بأنه لم يسمع تجاوزه الأخير و إن لم يستطع كبت غضبه و هو يقول : قلت لك سأخبرك بكل شيء ، و على كُلٍ روايتي على وشك الانتهاء .
أطبق البروفيسور شفتيه في سُخط ، فتابع يسري روايته :
و أخذت حياتي تسير على هذا المنوال ، وقتي ينقسم بين العمل و بين القراءة حتى جاء ذلك اليوم ..
حين قابلت د. سميث ، ذلك الطبيب النفسي الانجليزي المقيم هنا في مصر مصادفة ً في أحد المكتبات العامة حيث لاحظ اهتمامي الشديد بكتب علم النفس و أخذنا نتجاذب أطراف الحديث سوياً و سألته عن أحد الكتب التي كنت أبحث عنها و التي لم أجدها في أي من المكتبات فأخبرني أنه يملك هذا الكتاب و أنه لا يمانع في إعارته لي ، فأعطاني عنوان منزله و أستضافني عنده في أحد الأيام ..
 و في هذا اليوم ناقشته كثيراً في أمور علم النفس و الطب النفسي و قد لاحظ من ثنايا حديثي معه أن لي موهبة في هذا المجال لذا .. عرض علي العمل معه .
و بالطبع لم أتردد في قبول هذا العرض الرائع خاصة ً أنه أغراني براتبٍ مُجزيٍ دفعني لترك وظيفتي السابقة و التفرغ التام لذلك العمل الذي كان يناسبني .
و لم يخِب ظني أبداً فكان العمل معه أمتع و أفضل مما توقعت ، و لقد تعلمت منه الكثير .. و الكثيرة جداً .
و لكن أهم ما تعلمته منه على الإطلاق ، و ما ساهم بشكل أساسي في نجاح خطتي هو .. التنويم المغناطيسي * . 
****************************************************************************
" ماذا الذي تعنيه بقولك هذا ؟ "
قالها البروفيسور في حيرة و قد عاد الاهتمام يتسلل إلى قلبه مجدداً ، فابتسم يسري و قال متباهياً : أعني أنني تدربت على ذلك الأمر كثيراً جداً حتى أتقنته تمام الاتقان و أخيراً جاء وقت الاستفادة منه ..
فبعد أن ألتحق ياسر بكلية العلوم – بفضل مجهودي الشخصي بالطبع – تظاهر بالندم و أخذ يعتذر لي مراراً عن حماقته بشتى الطرق و لكن بما كان يفيدني كل ذلك ؟!
و بعد تخرجه  بدأ كما يبدأ الجميع بوظائف بسيطة ، حتى بدأ العمل لديك ، و يبدو أنه راق إليه للغاية كما  راق لي عملي .
كان يعود يومياً إلى المنزل سعيداً ليروي لي عن متعة عمله وحالة التشويق العلمية التي يعيشها يومياً ، و لقد كانت تجذب أحاديثه انتباهي بالفعل و تشعل في رأسي العديد و العديد من الأسئلة التي لم يكن يطفئها قط و عندما كنت أعلن تبرمي يعلل لي الأمر بأن تلك الأمور من أسرار العمل و أنه لا يستطيع أن يبوح إلي بها أبداً .
و هنا حان وقت استعمال التنويم المغناطيسي في استخلاص المعلومات من عقله الباطن ، في البداية كان الأمر صعباً لقلة خبرتي بالأمر و لكن بعد ذلك نجحت أخيراً ، و ظللت أفعل ذلك بصورة يومية على سبيل التسلية و التدريب و لكن بدأ الملل يتسرب إلي رويداً رويداً ، فلم أكن أجد في عقله شيئاً ما يفيدني و كنت على وشك الإقلاع عن اختراق عقله بالفعل و لكن ..
فعندما عاد من معملك البارحة ، لاحظت تغيراً في تصرفاته حيث لم يأتي ليروي لي يومه كما كان يفعل دوماً بل دخل مباشرة ً إلى غرفته فتبعته فوجدته شارد الذهن بصورة لم أعدها عليه قبلاً فانتظرت الوقت المناسب لأقوم بتنويمه  و هنا وجدت في عقله ما كنت أبتغيه و أحتاج إليه ، حصلت منع على معلومات عديدة عن آلتك .. آلة الزمن .
و هنا توقف يسري عن الحديث ، ليلقي بنظرةٍ على البروفيسور الذي كان مصدوماً .
.. و إلى أبعد الحدود .
****************************************************************************
" مستحيل "
صاح بها البروفيسور بعد أن أستفاق من صدمته و قد قطب حاجباه في حيرة هائلة ..
فسأله يسري و هو يمط شفتيه : ما هو المستحيل بالضبط ؟ ألا تصدق أنني أستطيع التنويم مغناطيسياً ، أتحب أن تجرب بنفسك .
قال البروفيسور في حدة : ليس هذا ما أقصده و إنما أقصد أنه من المستحيل أن تجد أي معلومات عن آلة الزمن لدى ياسر فهو لا يعلم شيئاً عن هذا الأمر قط ، فلا يوجد أي مخلوق آخر غيري يدري عن تلك الآلة شيئاً .
انعقد حاجبا يسري بدوره و قال متعجباً : و كيف هذا ؟ لقد وجدت الكثر من المعلومات عنها في عقله ؟
لم ينبس البروفيسور ببنت شفة ، فهز يسري كتفيه  و تابع و هو يمط شفتيه :
هذا ما جعلني أنكب على تعلم زرع الميكروفونات الدقيقة حتى فجر الأمس و لكنني لم أستطع التوصل إلى ما يفيد ..
تنهد و توقف قليلاً عن الحوار ثم تابع :
لذا لم يبقَ لي سوى خيارٌ واحد و هو أن أخذ محل ياسر هنا خصوصاً أني أشبهه تماما الشبه و لكنني و بسبب سهري بالأمس  ، و حسب المعلومات التي استخلصتها من عقله علمت أنك قد انتهيت من صنع آلتك تلك تقريباً لذا فلن يطول وقت بقائي هنا و سيكون من العسير عليك أن تكشفني ..
 .. ولكن للأسف لم أستطع الاستيقاظ لأنفذ خطتي مبكراً اليوم و وجدته قد ذهب إلى العمل بالفعل فاتصلت به منذ ساعات و طلبت منه أن يحضر إلى المنزل و عندما جاء..  قمت بالتصرف معه .
و هنا سأله في قلق : تخلصت منه ؟! ما الذي فعلته به بالضبط ؟!
تجاهل يسري سؤاله تماماً و مال على رأس البروفيسور بشدة و هو يقول في صرامة شديدة :
 و الآن أرجو أن تكون متعاوناً معي بدرجةٍ كافية لتشغل لي هذه الآلة , و أظن أنك قد علمت هدفي جيداً من خلال حديثي معك و إن لم تسعفك عبقريتك هذه المرة في أن تستنج شيئاً ، دعني إذن أؤكد لك أني أود تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي بسبب سذاجتي المفرطة .
تجاهل البروفيسور هو الأخر طلبه الأخير و كرر تساؤله في إصرار : ما الذي فعلته بيسري بالضبط يا هذا ؟
أجابه يسري بعد أن زفر ضيق و قد بدا في صوته رنة الألم : لا تخشَ شيئاً ، أنه في النهاية شقيقي الوحيد ، قمت بتخديره فحسب و هو الآن يرقد بسلام في منزلنا .
" أنت مخطئ " 
ترددت هذه الصيحة داخل المعمل بصوت قوي فالتفت كٌل ٍ من البروفيسور و يسري إلى مصدر الصوت و هنا صُعق كُلٍ منها في دهشة ..
 فهناك و على باب ذلك المعمل السري الذي يحوي آلة الزمن ، كان يقف ذلك الشخص الذي كان من المفترض أن يكون نائماً في منزله الآن ..
لقد كان ياسر !
****************************************************************************
" و لكن كيف ؟! كيف ؟! "
قالها يسري في غمرة ذهوله مما يراه أمامه ، فنظر إليه ياسر و قال ساخراً : أخشى أن مخدرك  السخيف هذا لم يفلح معي ، وذلك لأنك نسيت شيئين مهمين للغاية ..
صمت برهة ثم تابع بنفس اللهجة الساخرة : أولهما إنني كنت أعاني من أرق مزمن* * في صغري ، و الثاني أنني كنت طالباً في كلية العلوم و أعرف ما هي الإجراءات المناسبة لمثل تلك الحالة و صادف الأمر أنني كنت أملك جرعة صغيرة من عقار بريديون *** فاستطعت أن أنهض بصعوبة لأرتشف منها و يبدو أنك كنت في عجلة من أمرك لدرجة أن تتركني و تذهب مباشرة ً دون أن تتأكد حتى إذا كان تم تخديري أم لا .
توقف عن الحديث لحظات ثم استطرد في لهجة تملؤها الأسى : لم أكن أعلم أنك تُكنِ لي كل هذا القدر من الحقد يا .. يا أخي .
امتقع وجه يسري بشدة حتى اقترب من لون الثلج و لم يستطع التفوه بأي كلمة  ، أما البروفيسور فقد سأل ياسر متعجباً : هل سمعت كل ما قاله عنك ؟
أجاب ياسر بنفس اللهجة و إن استعادت بعض السخرية : بلى ، فقد كان من السهل علي أن ألحق به إلى هنا فيبدو أن أخي العزيز كان يتسكع قليلاً في الطريق .. و بعد أن وصلت اختبأت بالخارج و ظللت أستمع إلى حديثه الشيق هذا و لم أشأ أن أقطعه.
قال كلمتيه الأخيرتين بابتسامه عجيبة و هو يلتفت إلى أخيه الذي كان لا يزال على حالته المصدومة و قد اتسعت عيناه و هو يحدق في ياسر بذهول تام .
ثم تلاشت ابتسامة ياسر فجأة و هو يضع يده على رأسه ملتفتاً للبروفيسور قائلاً في حرج : معذرة ً يا بروفيسور ، لقد نسيت أن أحررك من قيودك تلك !
قالها ثم اتجه نحو البروفيسور ليحل قيوده ..
و لكن فجأة اتسعت عيناه البروفيسور و هو يحدق إلى ما خلف ياسر فصاح بياسر محذراً : انتبه خلفك يا ياسر .
فشرع ياسر يلتفت إلى وراء ظهره ، لكن و قبل أن يتم التفاتته فوجئ بيسري يكبله بذراعيه بقوة و هو يصرخ في ثورة : لن أتركك تفسد خطتي و مجهوداتي أبداً يا ياسر أبداً .
أخذ ياسر يقاومه بكل قوته و صاح فيه بغضب : ألن تكف عن حماقتك تلك ؟!
قال يسري بنفس الثورة و هو يحكم يديه على صدر ياسر : و لما لم تكف انت عن حماقتك في الماضي ؟ لماذا غدرت بي لماذا ؟ ثم تتظاهر الان بالندم و البراءة ؟ هل ستظن أنني سأصدقك ؟! هراء ! لن تخدعني كما خدعت غيري ، هل تفهم ؟
احتقن وجه ياسر بشدة آثر ضغط يسري الشديد على صدره و حاول التخلص من يديه و لكن بلا جدوى ، و البروفيسور يجلس يتابع ما يحدث في ارتياع و هو يحاول يائساً حل قيوده .
و كادت الدماء تختفي من على وجه ياسر الذي حاول بكل جهده انتزاع يديه من حصار يدي يسري و بعد عناء طويل نجح في ذلك أخيراً ثم وجه لياسر لكمة ً  في وجهه أودع فيها كل قوته ، كل ذلك تم في ثوانٍ معدودةٍ ، فلم يتمكن يسري من تفادي لكمة ياسر فأصابت وجهه مصدرة ً دوياً ، فأفلت يسري شقيقه أخيراً و أخذ يصرخ متألماً ..
أما ياسر فأخذ يلهث في عنف محاولاً التقاط انفاسه ..
و لكن يسري لم يلبث أن نهض واقفاً و أنقض على ياسر الذي لم يكن قد استعاد كامل عافيته بعد ، و سقط كلاهما آثر تلك الإنقضاضة ..
و أمام عيني البروفيسور المذهولتين أخذا يتعاركان في قوة و شراسة و هما يتدحرجان أرضاً بعنف و ..
" انتبها ! "
صاح بها البروفيسور بأعلى صوته محذراً كلا من ياسر و شقيقه الذي أخذان يصدمان في تعاركهما جسم الآلة حتى أرتجت في شدة ..
و لكن أياً منهما لم يبد عليه أنه سمع صيحته تلك ..
" لا احترسا سوف .. "
" تم تشغيل الآلة ، سوف يبدأ العد التنازلي الآن "
قطع ذلك الصوت الآلي صيحته الأخيرة المحذرة
و ما كادت تلك الصيحة تتردد في أرجاء المكان حتى صرخ البروفيسور في هلع : ما هذا الذي فعلتماه أيها التعسين ؟! لقد شغلتما الآلة .
" عشرة "
و هنا توقف كلاهما عن العراك و التفت كل منها إلى الآلة و قد بدت ملامح الذعر واضحة ً على وجهيهما و لم يدر كل منهما ماذا يفعل ؟!
" تسعة "
صاح البروفيسور في صوتٍ أقرب إلى البكاء و قد بدا عليه الانهيار التام : آلتي ستضيع ، كل مجهوداتي السابقة ستضيع أدراج الرياح و ستقلع الآلة إلى المجهول ، كل هذا بسببكما أيها الأحمقين .
" ثمانية "
صاح يسري بعد أن نهض واقفاً هو و ياسر : كلا لن يضيع أملي بهذه السهولة ، كلا لن أسمح بهذا قط .
قلها ثم شرع محاولاً أن يدلف داخل الآلة التي فُتحت أبوابها بعد بدء العد التنازلي .
و لكن ما قاد قدميه تتحركان صوبها ، حتى أحس بمن يجذبه بعيداً فالتفت فوجد أخيه ياسر متشبثاً بمعطفه و هو يقول في مذعوراً : ماذا ستفعل أيها المجنون ؟
" سبعة "
قال يسري في غضب و هو يحاول التملص من أخيه : اتركني أرحل قبل فوات الأوان ، لا شأن لك بي ! ماذا يهمك في أمري ؟!
قال ياسر في صرامة محاولاً التشبث به أكثر : كلا لن أسمح لك بهذا قط ، مهما فعلت بي فأنت أخي و لن أسمح لك بأن تؤذي نفسك أبداً .
" ستة "
لم يعبأ يسري بكلمه و دفعه بغلظة ليسقط ياسر أرضاً ثم قال يسري : إلى اللقاء يا .. يا أخي .
"خمسة "
و هنا قفز يا سر داخل الآلة و اختفى يسري عن الأنظار ، وسط حنق أخيه و صدمة البروفيسور ..
" أربعة "
و هنا ضرب ياسر الأرض بكفيه و قال و الدموع في عينيه : أنا السبب في هذا أنا السبب في كل شيء .
" ثلاثة "
و فجأة برقت عيناه و أتخذ قراراً خطيراً ، فالتفت إلى البروفيسور و قال لهل في حزن : سامحني يا بروفيسور .. سامحاً أرجوك .. و لكني لا أملك خياراً أخر .
" اثنين "
لم يتفوه البروفيسور بحرف , بدا أنه لم يخرج من حالة الانهيار التي أصابته ، فهز ياسر رأسه و استطرد و هو يتجه نحو باب الآلة : وداعاً .
" واحد "
و هنا قفز ياسر داخل الآلة البيضاوية و اختفى داخلها .
" انطلاق "
تبع هذا الصوت الآلي تصاعد دخان كثيف من أطراف الآلة حتى أخفاها عن الأنظار ..
و صحب هذا الدخان الكثيف ضجيج هائل أستمر لبضع دقائق مع مراقبة عيني البروفيسور المذهول ثم انقشع الغبار و عاد الهدوء للمكان
و وضح خلف الغبار أن الآلة قد أخطفت ..
اختفت تماماً
و هنا أفاق البروفسيور من صدمته ..
 ليتصاعد إلى ذهنه سؤال واحد فقط ..
هل سافرت الآلة زمنياً حقاً ؟
هل ؟
*         التنويم المغناطيسي : التنويم المغناطيسي باللاتينية: (Hypnosis)  هو حالة ذهنية وهادئة ومسترخية, ففي هذه الحالة يكون الذهن قابل بشكل كبير للاقتراحات والإيحاءات. التنويم الإيحائي هو حالة طبيعية جدا, ويمكن القول بأن كل شخص سبق ومر بتجربة كهذه. فعندما تستغرق في قراءة كتاب معين, وعندما تركز كل التركيز بمشهد أو فيلم معين, وعندما يغرق ذهنك بالأفكار والتركيز بموضوع معين.. الخ.. فهذه كلها حالات طبيعية من التنويم الإيحائي, حيث ينصب التركيز الذهني الشديد الذي يضع كل الأشخاص والأشياء من حولك خارج نقطة التركيز تلك. وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. فحسب " منظمة الصحة العالمية " 90% من عامة السكان قابلين للتنويم الإيحائي .
  ** الأرق : هو عبارة عن استعصاء النوم أو تقطعه أو انخفاض جودته، مما يعود سلبا على صحة المريض النفسية والجسدية. ويمكن أن يعرف بانه الشكوى من عدم الحصول على نوم مريح خلال الليل وهو ما يؤثر على نشاط المصاب خلال النهار. وتختلف أسبابه وعلاجاته من شخص لآخر حسب حالته وظروفه  و الأرق المزمن وهو الذي يحدث عندما يستمر الأرق لفترة طويلة قد تصل إلى سنوات ، وهو النوع الأكثر خطورة .
*** عقار بريديون : نوع من العقاقير الطبية يستخدم في مساعدة المرضى من التعافي من آثار التخدير بعد الجراحة و هو عقار فريد بخصائصه إذ يبطل مفعول التخدير الخفيف والقوي على حد سواء .
****************************************************************************

تمت
;