بحث في المدونة

السبت، 28 يوليو 2012

شبابيك على شارعنا

 المجموعة القصصية "ثورة لايك وكومنت" ...

شباك على شارعنا .. بيحكي حكايات وأسرار جيراننا ..
بالتعاون مع ، دار الحكمة للنشر والتوزيع
تحت الطبع "شبابيك على شارعنا" لــ فريق القلم الحر،

هدير زهدي - القاهرة
سمر لطفي - القاهرة
أحمد موسى - القاهرة
منال عبد الحميد - سوهاج
هبة الله أحمد - الأسكندرية
عمر أحمد سليمان - الأسكندرية
أسماء محمد فخر الدين - القاهرة
زينب محمد شحات - أسوان


الأحد، 22 يوليو 2012

سجل مدني

تدور المراوح في السقف ببلادة ، تدور أجنحتها حول مركزها كما تدور الإلكترونات حول النواة و تزيد من حرارة الجو أكثر مما تلطف . تقف في طابور هائل لا أول له من آخر ، و أنت متيقن من أنه لا جدوى من وقوفك ، و رغم ذلك تظل ثابتاً بإصرار أحمق لا تعرف سببه و لا جدواه . و الموظفين و الموظفات يجلسن بوجوه واجمة لا تبعث السرور أمام طاولة ممتدة بطول الغرفة و أمام كل منهم جهاز حاسوب عتيق لا تصدق أنه ما زال يعمل بهذه الحالة المزرية . تسمع ضوضاء من حولك لا تدري مصدرها تحديداً لأنها تنبع من كل مكان ، لا تدري لها سبباً و لا تستطيع أن تتبين كلمة واحدة يمكن أن تُفهم من ذاك الحوار العشوائي البغيض . يتصبب العرق غزيراً على جبهتك و وجنتيك ، فتدس يدك في جيبك لتخرج منديلاً مهترئاً ورثته عن أجدادك محاولاً تجفيف ذلك الشلال المنبثق . تكاد تسقط فاقد الوعي آثر دوار رهيب يعصف برأسك ، تتمنى لو تمدد على سريرك ناسياً الدنيا بأكملها . تنظر في ساعتك عبثاً لا رغبة ً في معرفة الزمن المفقود ، تضرب بقدميك الأرض في نفاذ صبر لن يفيد و تزفر بحرارة تشعل الجو أكثر ، و سرعان ما تكتسب وجوم الوسط المحيط و تتفاعل معه بترحاب مزيف . ثم فجأة تعود لنقطة الصفر مجدداً و يتعكر مزاجك حين تسمع وابلاً من اللعن و السب المقذع ، تتلفت حولك ترى جلبة و بعض الناس يلتفون حول رجلاً قصير القامة حليق الرأس التي تبدو أشبه ببيضة مسلوقة ، قاسِ يبدو أشبه بزعيم من زعماء المافيا و هم يحاولون تهدئته بعبارات من نوع " اخزي الشيطان " " صلي ع النبي " بينما أخذ هو يصيح كالديكة لتتناثر من فيه عبارات السباب مثل " يا ولاد ال ( ..... ) أنت متعرفوش أنا مين أنا ممكن أوديكم في ستين داهية " تسري في جسدك قشعريرة باردة رغم حرارة الطقس و أنت تشمئز من مجرد فكرة أن يكون أمثال هذا الهمجي ذوي مكانة ما في المجتمع . تعود بنظرك إلى طابورك الطويل الممتد إلى ما نهاية ، تسمع عبارات التذمر تفوح من الأفواه بأنها " كوسه " و " واسطة " و إنه بالتأكيد " مسنود " و سيتخطى الطابور بكل جبروت ليصل إلى رغبته رُغماً عن الجميع .. بينما تظل أنت صامتاً و في داخلك تقول بأن كل هذا هراء و أن هنالك ثورة " في البلد " و لا واسطة ستفلح الآن خاصةً مع أمثال ذلك المتعجرف . رائحة التبغ تفوح من كل مكان بعد طول انتظار ، فتدس يدك في جيبك لتنزع منديلاً آخر تعزل به أنفك عنها . يمر الوقت حثيثاً و تشعر أن طابورك يطول لا يقصر و أن من يتقدمونك أكثر ممن خلفك . و أخيراً و بعد ساعاتٍ طوال لا تدري عددها ، تجد نفسك أمام ذلك الموظف الحكومي الكئيب و المذكور في كل الأساطير .. تتقدم منه و تناوله أوراقك ، فيأخذها بدون أن يتفوه بحرف و يفحصها سريعاً ثم يعيدك إياها وسط نظراتك المتسائلة فيقول موضحاً : أوراقك ناقصة ، لازم شهادة التجنيد .. و أوراق التأمين و شهادة الزواج و .. تظل منصتأً له في إحباط و تحاول أن تخزن في ذاكرتك كل تلك المطلوبات و تتيقن من أن يومك قد ضاع سُداً ، و أن مشوارك مازال طويل حتى تبلغ مرادك و إن أحضرت لهم " لبن العصفور " كما يقولون . يصيح فيك الموظف أن تتنحى جانباً حتى يتقدم له من يليك في الطابور ، فتلمم أوراقك و سير مبتعداً نحو بوابة الخروج المعدنية الصدئة . و ما إن تخرج حتى تجد ذات الشخص السمج ذو الرأس الشبيه بالبيضة يلوح بورقة في يده و يجاوره في السير نحو خارج المكان شخص ما يبدو أنه صديقه . تجده يصوح بنفس اللهجة السمجة : أنا قلتلهم ولاد ال ( ..... ) أني هاخد منهم اللي أنا عاوزه غصباً عن ( ... ) هما اللي عصبوني ، ما كان الطيب أحسن . ربت رفيقه كل كتفه برفق و هو يقول : خلاص ، هدي نفسك و المهم أنك أخدت اللي أنت عاوزه و أديك علمتهم الأدب و عرفتهم أنت مين . لم تسمع من حوارهم المزيد فقد ابتعدوا عن نطاق أذنيك و لكنك التقطهم بعينك و هم يدلفون إلى سيارة فاخرة تفوح منها رائحة الثراء ، و انطلقت مبتعداً بهم عن مرمى البصر أما أنت فتزيد حسرتك حسرة و مرارة و أنت تلتمس طريقاً نحو منزلك .. حينئذ تتخذ قراراً بأنه ربما عليك أن تشتري قاموساً يعلمك السباب ، و لكنك تدرك أن ذلك لن يكون كافياً قط .. و أنك لن تنال شيئاً من ذلك السجل .. السجل المدني . ****************************************************************************
;