بحث في المدونة

الأربعاء، 29 يونيو 2011

لا ترحلي ( سيناريو رقم 2 )

" أين ذهبتي ؟ "

قلتها في خفوت شديد و كأنما أخشى أن يسمعني أحد ، ثم بدأت ألتفت نحوي و أجول ببصري هنا و هناك آملاً بأن أراها ، بأن أجدها ، و لكن دون أي جدوى
يبدو أنها رحلت من جديد ...
تركتني كما فعلت مسبقاً ...
و كان ذلك كله بسببي أنا ...
فأنا من ظلمتها دوماً
و كم أنا نادم الان .
و لكن بما يفيد الندم ؟؟
أتمنى فقط أن أراها فقط ثانيةً ، عندئذ ، سأخبرها كم أحبها حقاً من قلبي ، سأخبرها كم أنا نادم على كل ما ارتكبته في حقها من ذنوب .
و لكن هيهات ، هل سترضى و ستصدق كلامي حقاً هذه المرة ؟
فكم من مراتٍ أخبرتها بتلك الكلمات البراقة الجميلة ؟
و لكني كنت قاسياً و أخلفت بكل وعودي بكل خسة و دناءة .
فهل ستصدقني هذه المرة ؟
لا يهمني إن كانت ستصدقني أم لا .
يكفيني فقط شرف المحاولة .
فقط لو أراها ثانية .
و لكن أين أستطيع أن أعثر عليها ثانيةً ؟
بالتأكيد قد رحلت إلى أبعد مكان ممكن ...
... و بلا عودة .
و لكن علي أن أحاول العثور عليها ...
... و بأي ثمن .
نهضت من مكاني في سرعة شديدة ، و توجهت مباشرةً نحو باب حديقة المنزل و خرجت إلى الشارع .
بدأت أنظر إلى كل ما حولي في يأس ...
كم بدا لي العالم واسعاً للغاية في تلك اللحظة ؟
و لكن لا ... لا ينبغي علي أن أيأس بتلك السهولة و البساطة .
ينبغي أن أحاول بكل جهدي أولاً .
أثارت تلك الأفكار الحماسة في نفسي ، فبدأت أركض في كل مكان ، أخذت أجول هنا و هناك .
و أسأل أصحاب المتاجر المجاورة لمنزلي : هل رأيتها ؟
لم أكن أيأس قط عندما يخبرني بأسف : كلا ، لم آرها .
لم تنقص حماستي و لو بمقدار ذرة واحدة ...
و لكن لكل شيء نهاية
حتى حماستي المتفجرة ... و آمالي الخيالية في العثور عليها
فقد بدأت تنقص شيئاً فشيئاً ...
حتى تلاشت و تخبرت أو كادت ...
و قررت بالفعل أن أعود أدراجي إلى منزلي حاملاً معي خيبة آملي الكبيرة و التي صدمتني و إن كنت أتوقعها .
و لكن شاءت الأقدار أن لا أعود منزلي بهذا الإحباط الشديد ...
فهناك و على مقربة من المنزل
ارتفعت معنوياتي من جديد ...

و إلى أقصى حد
  لا أصدق عيني !
لقد رأيتها !
إنها هي و لا شك !
أنا واثق من ذلك أشد الثقة
كلا ، أنا واثق أنني لست واهماً حتماً
بل أنا أراها هي حقاً !
نفس طريقتها في السير
أوداجها منتفخة في شموخ
رأسها يتألق و كأنما يعلوه ألف تاج
و كانت تنظر إلي ...
نظرة تحمل الكثير من المعاني ...
و الكثير جداً
كانت تحمل الحب
و العتاب و اللوم
كانت مزيجاً عجيباً بين كل العشق ...
و كل البغض !
نظرت إليها في صمتٍ و خجل
حاولت أن أقول الكثير و الكثير جداً
و لكن الكلمات وقفت في حلقي جامدة و أبت أن تعبر شفتاي .
حاولت أن أعتذر ، أن أخبرها كم أحبها ، و كم أنا نادم على كل ظلم ظلمته لها ؟
و حاولت أن أعدها بأنني لن أكرر هذا مجدداً قط ، و لكنني عجزت
و لكنها فهمت كل ما أريد قوله .
قرأت قل ما يجوب بعقلي في تلك اللحظة .
و بدت عيناها تفيضان بنظرات السخرية و الاستنكار ، كانت تقول لي بأنها متيقنة بأني سأخلف بوعودي كالعادة ...
و ظل الموقف جامداً كما هو للحظات ، بدت لي كالدهر ، تبادلنا فيها العديد من النظرات كانت تحوي الكثير من الكلمات
و فجأة ، و بدون مقدمات ، استدارت و أخذت تبتعد في صمت ...
و هنا نزعت عن نفسي حبل الهدوء و قطعت حبل الصمت صارخاً بأعلى صوتي :
لا ، لا ترحلي ، عودي ارجوكِ .
و لكنها واصلت ابتعادها بدون أن تلتفت إلي .
هتفت مجدداً و أنا أركض مسرعاً لألحق بها : أرجوكِ سامحيني ، أرجوك عودي .

و لكنها ابتعدت عن انظاري تماماً ، فتوقفت عن العدو و صرخت يائساً و الدموع تترقرق من عيناي : لا ترحلي ، أرجوكِ .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 " لا "
صرخت بها بأعلى صوتي و أنا أنهض مفزوعاً أيما الفزع من على فراشي ، و أخذ أن ألهث بعنف ، و كأنما كنت أركض في الواقع و ليس في مجرد حلم .
نهضت من على فراشي ، و ذهبت لتناول كوباً من الماء .
قم عدت لأتابع نومي ، آملاً أن يكون هادئاً و خالياً من الاحلام هذه المرة .
و قبل أن أصعد للفراش ، لمحتها ...
لمحت تلك الصورة ...
صورتها ...
الصورة التي احتفظت بها و أقسمت انها لن تغادر مكانها على الطاولة التي تجاور فراشي ، ما حييت .
و برفق أمسكت تلك الصورة ، و وضعتها نصب عيني في هدوء .
و أخذت أتأمل فيها بصمت .
و لكني ، لم أستطِع أن أتمالك نفسي قط
فأخذت الدموع تنساب على وجنتاي ...
كم ظلمتها ؟
كم أهملتها ؟
كم تجاهلتها ؟
حتى رحلت ...
لم أعرف كم أحبها حقاً إلا عندما تركتني
لم أعرف كم كانت مهمة بالنسبة لي إلا عندما تركتني ...
و لكن لا ...
لا ينبغي علي أن أجلس في مكاني هكذا ، أغرق في دموعي و أندب حظي هكذا .
لا ينبغي أن أجلس و أتحسر على أخطاء الماضي هكذا .
بل ينبغي علي أن أكون أكثير إيجابية ...
ينبغي أن أفعل شيئاً لأكفر عن ذنوبي .

تخمرت الفكرة كثيراً فقررت أن أنهض قائلاً في حسم : نعم فلأفعل .
عدت إلى منزلي في سعادة لم يسبق لها مثيل ، منذ أن رحلت هي ...
خطوت داخل المنزل بهدوء و ثقة غير معتادة ...
و بسرعة توجت نحو غرفة نومي ...
و فتحتها ...
و خطوت داخلها بثقةٍ أكبر و أكبر ...
و توجهت نحو الطاولة المجاورة لفراشي ...
و رأيت تلك الصورة ...
ثانيةً ...
و لكن هذه المرة ، لما أبكي قط ...
بل العكس تماماً ...
ابتسمت ابتسامة واسعة ...
للغاية .
و بنفس الابتسامة توجهت نحو فراشي ...
و استلقيت على ظهري في هدوء ، و أغمضت عيناي بدون أن تفارق تلك الابتسامة شفتاي .
فقد عزمت هذه المرة ، أن يكون نومي هادئاً و مطمئناً ...
و عميقاً .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" لقد رأيتها هنا "
قلتها و أنا أقف جامداً في مكاني و في نفس البقعة التي شاهدتها فيها مسبقاً .
وقفت في مكاني ثابتاً متأملاً ...
و مر الوقت شيئاً فشيئاً ...
و أنا أنتظر في صمت ...
و على النقيض ، كلما مر الوقت ...
كلما زادت حماستي أكثر و أكثر ...
و فجأة ...
و قبل أن يبدأ اليأس في أن يجد طريقه إلى قلبي
رأيتها قادمة نحوي من بعيد ...
كانت تبرق ككل مرة ...
و لكنها كانت أجمل و أجمل
شعرها الذهبي اللامع ينسدل على كتفيها  و يبرق كألف شمس
عيناها بدت أكثر زرقةً من ماء البحر ، و إن تشابها بإمكانية الغرق في كليهما
وجهها كان ينافسه شعرها في بريقه ...
و بصعوبة بالغة انتزعت نفسي من انبهاري بجمالها الشديد و تقدمت نحوها في صمت قائلاً : لقد فعلت كل ما كنتِ تريدينه مني يا حبيبتي ، فهل انتِ راضيةً عني الان ؟
أومأت مبتسمة قائلةً : نعم أدري .
قال لها متسائلاً : و كيف عرفتِ ؟
قالت له و قد اتسعت ابتسامتها : في مكاني ، لا يخفى علي أي شيء .
قال لها متسائلاً : و هل سامحتني الان ؟
قالت له : بالتأكيد ، لقد فعلت كل ما بوسعك ، و تخليت عن عنادك  الغير مبرر ، و هذا هو المهم .
ابتسم بارتياح ثم قال لها لهفة : ألن تعودي معي إذن ؟
أجابت قائلةً : كلا ، لا أستطيع أن أعود ، لما لا تأتِ معي أنت ؟
قال لها بعد ان فهم مغزاها : أليس الوقت مبكراً ؟
قالت لها متحمسة ً : كلا إن الوقت مناسب الان ، لقد فعلت كل ما بوسعك ، فأعطيت أخي الفرصة ، و سلمت الوثائق المهمة للشرطة ، و تركت العدالة تأخذ مسارها الطبيعي ، ألا ترى أن الوقت مناسباً ؟!
قال لها موافقاً : نعم انتِ على حق ، أنا آتٍ معك .
قال له : اتبعني إذن .
و بانبهار شديد تابعتها و هي تحلق في أعالي السماء
في البداية وقفت ثابتاً في مكاني اكتفي بالمشاهدة ...
و لكنها حدثتني قائلةً : فلتقفز فقط
ترددت في البداية و لكن بعدها قفزت ، و ما أروع تلك اللحظة ...
انني أطير فعلاً أطير ...
و بساعدة أخذت اتتبعها في صمت ...
و من فوق لمحت جسدي راقداً على الفراش مبتسماً ...
ابتسامة السعادة ...
الاخيرة .

















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;