بحث في المدونة

الاثنين، 16 مايو 2011

يوميات عائلة متواضعة جداً ( الحلقة الثالثة )

أنست موجات التصفيق الحارة لإبراهيم أنه في طريقه للعمل و أن محطته قد اقتربت
حتى وصلت الحافلة إلى مكان العمل آخيراً و قد استغرق عدة ثوانِ قبل أن يدرك أن عليه النزول فقال في نفسه في حنق : يعني كان لازم توصل دلوقتي ده انا خلاص بقيت بطل الاتوبيسات
ثم قال للسائق : استنى يا اسطى .. ثواني بس
و لكن ابراهيم تيقن ان علاقته بالسائق كانت علاقة ( كره من أول نظرة ) و أنه لم يتأثر قط بإعجاب الراكبين به فالسائق زاد من سرعته و كأنما يتعمد استفزازه
فقال إبراهيم في سخط  و هو يركض مسرعاً نحو الباب : ليه كده بس ؟
قال السائق : بقولك احنا مش فاضيين لك
و لكنه لم يسمع إبراهيم قوله هذا لأنه لم يكن موجوداً داخل الحافلة بل اختفى تماماً !
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تآوه إبراهيم في ألم و يضع على جبهته ليوقف نزيف الدماء من الجرح في جبهته و الذي سببه اصطدامه بأحد الارصفة أثناء قفزه من الحافلة و هو يقول و قد اشتعل غيظاً : منك لله يا سواق العجلة انت ، بقى كل الناس كانت عايز توقيعي و انت ترميني كده
بس اكيد ده غيران مني عشان عبقريتي الفذة
ثم صمت و هو يقول : أو ربما .... نعم لقد فهمت هذا هو السبب
و أخيراً وصل اخيراً إلى مقر عمله و ذهنه يسترجع اخر صورة للسائق ، لقد كان .. لقد كان .... لقد كان فيـــل!!!
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المكتب
"يا نهار مش فايت "
قالها إبراهيم و هو يتوجه إلى الباب عندما نظر إلى ساعته ( متستغربوش اشتراها متهربة من محل عم حسنين باتنين جنيه و نص )
فوجد نفسه متأخراً عن عمله ساعة كاملة
و استعادت ذاكرته اخر حديث له مع المدير عندما جاء متأخراً 25 ثانية و اعطاه حينها محاضرة في أهمية الوقت
" حرام عليك احنا ايه اللي جايبنا ورا غير امثالك المستهرين بالوقت و مش حاسيين بقيمته "
- بس يا افندم انا متأخرتش الساعة سبعة بالظبط
" شوف عقرب الثواني يا فالح "
- ماله ؟
" عند رقم خمسة يعني تأخير 25 ثانية كاملة يا بارد "
- افندم ؟
" انت متعرفش ان الوقت من ذهب كل ثانية بتضيع فيها خساير في خراب بيوت فيها حروب فيها دول تطلع و دول تنزل فيها ... فيها ...
و استمر حواره هذا مدة لا تقل عن ربع ساعة ( فاكرين الفيلم ده ؟ ) عندئذ فكر إبراهيم أنه يقصد نفسه بهذا الكلام
و في نهاية الحوار قال المدير : اخر مرة اشوفك واصل متأخر يلا غور من وشي على مكتبك
و برغم تهديد المدير كرر إبراهيم التأخير
و كان زمن التأخير يتراوح من 15 ثانية إلى دقيقة كاملة و كان دورياً يستمع إلى محاضراته عن الوقت برغم أن المدير نفسه كان يتأخر تارة لأكثر من ساعة و تارة أخرى يتغيب تماماً  -  في الأيام التي يصل فيها إبراهيم مبكراً - و كأنما يتمعد ذلك
و لكن إبراهيم كان متيقناً انه هذه المرة مطرود لا محالة
و بمجرد أن دخل إبراهيم إلى المكتب وجد الساعي بحلته الانيقة و ربطة عنقه الملونة و ساعته الذهبية و عطره الفائح و الذي يوحي لمن يراه أنه أحد الشخصيات العامة الشهيرة أو ربما وزيراً ، أو على أقل تقدير مديراً للمكتب ، ولكن من يظن أنه مجرد ساعي !!
كان إبراهيم بيعرف أنه أحد الأقرباء المقربين للمدير و لذلك قام بفصل الساعي القديم ( لأنه نسي أنه يلمع قلمه الذهبي ) و قام بتعيينه بدلاً منه بمرتب ........ ( حرصاً على سلامة مرضى الضغط )برغم انه لا ينفذ مهام عمله على الإطلاق بل يكتفي برصد كل متأخر عن العمل من أمثاله
قال إبراهيم في نفسه : هو ده وقتك انت كمان
حاول إبراهيم أن يذهب إلى المصعد بهدوء حتى لا يشعر به و لكن خاب امله عندما سمع صوتاً من خلفه يقول : ايه يا ابراهيم مش تسلم الاول
التفت إليه إبراهيم و قال و هو يحوال كتم غيظه : أهلاً يا عادل
قال عادل بابتسامة مقيتة و هو ينظر إلى جرح وجهه : أهلاً يا إبراهيم
  ثم أضاف في سخرية : بيعجبني فيك التزامك بمواعيد الشغل لحسن حظك المدير مش موجود دلقوتي
لم يكن من الطبيعي أبداً أن يتحدث ساعي إلى أحد الموظفين بهذا الاسلوب
و لذلك تضاعف غضب إبراهيم فتجاهل ( وسطته ) تماماً و هو يقول : خليك في حالك يا عادل ، و خليك في شغلك
قال الكلمة الاخيرة ببطئ و هو يضغط على كل حرف من حروفها
فشحب وجه عادل و ذهب مبتعداً
قال إبراهيم في نفسه بغضب و هو يتجه إلى المصعد : طبعاً مهو مش حاسس بحاجة معاه عريبة ع الزيرو من غير مقدم و لا اقساط !!
ثم اتجه إلى المصعد في صمت
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مكتب المدير
نصف ساعة من الملل عاشها إبراهيم في مكبته القديم و العتيق المزود بأجود أنواع  الأقلام و الاوراق ( كمبيوتر ايه و وجع الدماغ ايه دي كلها تقاليع )
كان عليه فقط تذييل بعض الاوراق بتوقيعه و ختم البعض الاخر بختم النسر الجميل
و كذلك عبارات : سلامتك ، و ما يقعش إلا الشاطر .. و تعيش و تاخد جيرها ... إلخ
و التي تلقاها بصورة ساخرة من زملائه في المكتب
و قبل أن يفقد وعيه من شدة الملل دخل عادل المكتب و كعادته كلما رآه شعر إبراهيم بالغضب
ابتسم عادل ابتسامة خبيثة و هو يقول : المدير عايزك يا إبراهيم
ارتجف إبراهيم و تراصت الاحتمالات في رأسه و اخذ يتساؤل في نفسه : يا ترى هيدوني معاش محترم ؟
في مكتب المدير
توجه إبراهيم إلى مكتب إبراهيم و هو يقدم قدماً و يؤخر اخرى حتى وصل إلى باب المكتب و ارتجفت يده و هي تطرق يد الباب و لم تكد الطرقة تكتمل حتى قال المدير بسرعة : أدخل
أثار ذلك في نفس إبراهيم مزيجاً عجيباً من الدهشة و الخوف فاعتقد و أن ليس لديه عملاً سوى أن يلصق أذنه بجوار الباب
فتح إبراهيم الباب في بطئ شديد
مما دفع المدير يصيح فيه : ادخل
ارتجف إبراهيم أكثر و أكثر من تلك الصيحة و اسرع في فتح الباب ثم دخل و اغلق الباب خلفه
كان مقدار الغضب الذي يعتليه عند رؤيته المدير لا يقل عن ذاك عند يطل عليه عادل ( الساعي )
كان المدير واقفاً عن نافذة مكتبه الت تُلمع ثلاث أو ربع مرات يومياً في مكبته الفاخر و الذي تزيد مساحته عن مساحة الحافلة التي استقلها إبراهيم في طريقه بأربع مرات أو خمس
كان متوسط الطول و بدين إلى حط مفرط و ذو قرش تقليدي للمديرين و الاثرياء و كان ذلك يدفع إبرهيم دائماً بأن يسأل :
ليه كل الاغنياء بكرش ؟ *
اخرجه من أفكاره تلك قول المدير و قد جلس على مكتبه : تعالى هنا يا باشا
تقدم إبراهيم نحو المكتب و فكر أن يجلس و لكنه أخرج تلك الفكرة من رأسه لأنه استعاد ذكرى المرتين الذي حاول فيهما فعل ذلك ففي الاولى اعطاه المدير محاضرة عن قواعد الذوق العام و في الثانية دعاه المدير نفسه للجلوس و لكن لم يكد يلمس الكرسي حتى ... مما اضطره لعدم الجلوس على أي كرسي لمدة اسبوع
قال له المدير فجأة : ما تقعد يا إبراهيم
رد إبراهيم : لا ما يصحش سعادتك
قال المدير بابتسامة ساخرة : واضح انك اتعلمت كتير
قال إبراهيم و هو يبادله في نفسه تلك السخرية : البركة في سعادتك
و فجأة انقلبت ابتسامة المدير الساخرة إلى ثورة و هو يقول : بس متعلمتش انك ما تتأخرش
ثم اضاف : ازاي يا بيه تجيلي متأخر ساعة كاملة انت شغال فين ؟ في سوق ؟
شحب وجه إبراهيم بشدة
فتابع المدير و قد هدأ غضبه و كأنما ألذه شحوب إبراهيم : انت بتستغل غيابي عشان تلهو براحتك
قال إبراهيم : لا ابداً يا افندم ، بس هو حضرتك عرفت ازاي ؟
قال المدير بخبث : انت فاكرني مش عارف اللي بيحصل و انا مش موجود و لا ايه ؟ في هنا موظفين مخلصين و محترمين و مجتهدين و عارفين قيمة لوقت زي عادل مش زيك
قال إبراهيم في نفسه : اه .. بقى كده
ثم وجه حديثه إلى المدير قائلاً :
سيادتك انا دايماً بكون في مواعيدي و حضرتك بتكون مش موجود .. بتكون احم ، مشغول في شغلك و حظي حضرتك انك بتشوفني و انا متأخر و بس ، و بعدين سيادتك عارف المواصلات ، انا اتسرقت و كمان اتجرحت
و اشار إلى جرح رأسه
قال المدير و هو ينظر إلى جرح رأسه بلا مبالاة : و انا مالي بكل ده ، اشتريلك عريية ، اتصرف
قال إبراهيم في دهشة : اشتري عربية ازاي سيادتك اجيب فلوسها منين ؟!
قال المدير : بقولك ايه ، انا مش عايز وجع دماغ لو اتأخرت تاني هفصلك ، مفهوم ؟
قال إبراهيم في استسلام : مفهوم يا افندم ... مفهوم
ثم توجه إلى الباب ليخرج
و لكن المدير استوقفه قائلاً : استنى هنا ، هو انا قلتلك تمشي
التفت إليه إبراهيم قائلاً : افندم ؟
قال المدير بابتسامته المقيته الشبيهة إلى حد كبير بابتسامة عادل : لازم تاخد عقابك
صٌعق إبراهيم و هو يقول متعلثماً : ع..ع..عع .. عقاااا... عقاب ايه يا افندم ؟
اشار إليه المدير قائلاً : ايوا لازم تتعاقب على التأخير ده تعالى هنا
تقدم إبراهيم مجدداً نحو مكتب المدير بخوف كيبر زاد من تلذذ المدير و هو يخرج حزمة من النقود من احد جيوبه المنفخة و التي بمجرد أن رآها إبراهيم تحولت حالتها من الخوف إلى مزيجاً من الانبهار و الحسرة
و تضاعفت لذة المدير أكثر و أكثر برؤية تعبير وجه إبراهيم الذي بدا في قمة البلاهة
أخرج المدير 4 أوراق من فئة المائة جنيه و قال لإبراهيم : انزل هاتلي 5 كيلو كباب من المحل اللي جنبنا
اه و انتا رايح قول لعادل يجي ياكل معايا ... مكافأة ليه طبعاً على امانته
" لا إلا دي "
تفجرت تلك الصرخة في رأسه و نقلها على لسانه ( بعد المونتاج ) عشان اكل عيشه فقال : طيب يا افندم ما تبعتله اي حد يغري .... عشان ... عشان اجيب لحضرتك الاكل بسرعة
قال المدير : لا انت اللي هتقوله
أدرك إبراهيم أنه لا جدوى من النقاش فخرج من الغرفة في استسلام و هو يحدث نفسه : عقاب ليك ، و مكافأة ليه على امانته ، على اساس انهك مش بتأكله من ده كل يوم ، و  كل مرة تقولي لو اتأخرت هفصلك هفصلك ، يا أخي بقى نفذ تهديدك و افصلني ، ده انت عيل بصحيح
و بمجرد خروج إبراهيم قال المدير و هو يضحك ضحكة ساخرة : ده انت لقطة ، افصلك ازاي و انت بتحسسني بقوتي ، ههههه ده في احلامك
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بمجرد أن خرج إبراهيم من مكتب المدير وجد أمامه عادل و كأنما كان بينتظره و قال له مبتسماً نفس الابتسامة المقيته ( اعملكم اه هم ناس رخمة ) : صباح الخير و النور
أراد إبراهيم أن يقول له : صباح الشر و الظلام و الزفت على دماغك
 و لكن تذكر أن مكتب المدير خلفه فرد باقتضاب : أهلاً
ثم ازدرد لعابه و هو يقول : المدير بيقولك يا ريت تدخله ، عشان عازمك على أكلة كباب
ابتسم عادل ( مش مقيتة المرة دي ) و هو يقول : اه ، و يا ترى مش عازمك ليه ؟ انا عارفة انك نفسك تاكله من اول ما اتولدت أراد إبراهيم أن يفرع شحنة غضبه فيه بخليط من الركلات و اللكمات التي ينفذها توبي ماجواير في فيلم سبايدرمان ( حفظهم من بنته )  و لكن بذل مجهوداً يحُسد عليه للاكتقاء بقول : ابقى اسأله
ثم تركه في قمة زهوة النصر و ذهب هو في قمة الانكسار
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
توجه إبراهيم بمنتهى الحسرة إلى محل الكباب الذي يجاور مقر العمل و ذهب إلى صاحب المحل و قال له : 5 كيلو كباب من فضلك
نظر إليه الرجل بدهشة و قد كان محقاً فلا يمكن أن يوحي شكل إبراهيم المزري قدرته على تحمل هذا الطلب الضخم حتى لو كان في البطاطس فما بالكم بالكباب !!!!
قال إبراهيم في غضب : انت مالك محدق في كده اخلص
قال الرجل في دهشة : انت قلت عايز ايه ؟
اغرت إبراهيم النقود التي يحملها فدعته إلى التفاخر بها و التظاهر بأنه من الاثرياء فقال : ايوا انت ما بتسمعش ، ادي 300 جنيه اهم
تعجب الرجل أكثر من رؤية هذ المبلغ مع هذا الرجل و لكن سرعان ما انست النقود دهشته فالتفت سريعاً لاحد العاملين بالمحل : 5 كيلو كباب بسرعة ياض
ثم أعاد توجيه حديثه لإبراهيم : اسف على السؤال يا باشا بس حضرتك لابس كده ليه ؟
شد إبراهيم قامته و هو يقول : اصلي كنت في حفلة تنكرية خيرية للإطفال اللي عندهم اكتتئاب يمنعهم من لعب البلايستيشن ( عرف الان فائدة تكرار ابنه لهذه الكلمة في المنزل )
و بدا أن تلك الكلمة الاخيرة كانت لها تأثير الساحر فالتفت الرجل إلى أحد مساعديه صائحاً : خلص طلب الباشا بسرعة ياض
ثم التفت إلى إبراهيم : منور المحل يا بيه
و لم تمض دقائق حتى وصلت وجبة الكباب الضخمة لإبراهيم فأعطاها له صاحب المحل و قال له مودعاً : سلام يا باشا يا ريت تشرفنا تاني
ابتعد إبراهيم عن المحل بسرعة بدون أن يرد ، لأنه كان متيقناً أنه لن يقترب من ذلك المحل مجدداً في حياته ألا إذا اصابه الغباء الكافي و تأخر عن العمل مجدداً
و ما أن أبتعد عن أنظار صاحب المحل حتى ركض مسرعاً إلى مطعمه المفضل
................. مطعم عم محمد للفول و الفلافل !!!!!!

سؤال الحلقة :
ليه كل المديرين بكرش ؟
1 - من كتر اكل الكباب
2 - بيخبوا فيه الفلوس اللي بيلهفو...... بيقبضوها
3 -فيها بلايسيشن
4 - محمد منير
وسائل المساعدة :
1- حذف 2 كيلو كباب
2 - الاستعانة برأي الموظفين
3 - الاتصال بمدير
و الجائزة كبرى لأول إجابة صحيحة
عدد 2 سندويتش فول +  عدد 2 قرص فلافل من كشك عم محمد
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نهاية الحلقة الثالثة
يتبع

هناك تعليق واحد:

;