بحث في المدونة

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

الصيحة الأخيرة

تناثرت الدماء من حولي كقطرات الماء المنهمرة ، و صنعت بركاً و بحـــيرات منه .
تساقطت الاجساد من حولي صمتٍ شامخٍ .
و أنا أقف في مكاني ثابتاً ، و إن كان الرعب قد تملكني أو كاد ..
أجساد سوداء بدت أشبه بالأشباح أحاطت بالمكان في سرعة ..
و لوهلة بدأ اليأس يتسلل إلى عقلي و قلبي ..
بدأ جسدي يتشرب ماء الخضوع ..
و لكن فجأة ، لمحت طيفهما أمامي ..
و بمرآهما ، و رُغماً عني ..
.. غرفت في نهر الذكريات .
-------------------------------------------------------------------------------------------
" استيقظ يا سامح "
قلتها لأوقظ شقيقي الأكبر سامح – و الذي يكبرني بثلاثة أعوام - من نومه  ، ليلحق بموعد أولى امتحاناته في الثانوية العامة و الذي لم ينعم بأكثر من ساعتين فحسب من النوم ، و ذلك لأنه ظل يستذكر دروسه لما بعد الفجر ..
و أخيراً و بعد عناءٍ طويل و بعد الكثير من المحاولات ، أستيقظ سامح من نومه ..
و بمجرد أن فتح عيناه سألني في صوتٍ واهنٍ : كم الساعة الآن ؟
أجبته قائلاً : إنها السادسة و النصف .
و ما أن أنهيت جملتي ، حتى هب سامح من فراشه مذعوراً و كأنما تطارده وحوش الدنيا كلها ، ثم توجه نحو المنضدة الصغيرة في طرف الحجرة و هو يقول لي في حدة : و لما لم توقظني قبلاً ؟! كيف سيسعفني الوقت للاستذكار إذن ؟!!
قلت له متعجباً و قد حمل صوتي حدةً مماثلة : ما الذي كنت تفعله بالأمس إذن ؟!! ثم أنه لا يزال أمامك ساعتان و نصف للاستذكار !
قال سامح و هو يبدل ملابس النوم في عجلة : فلتمحِ منها ساعة للطريق إذن .
قالها ثم اتجه إلى الباب للخروج من الغرفة ، تبعته في سرعة ، و رأيته يجلس على تلك الطاولة في حجرة الجلوس و التي تراصت عليها كل كتبه من ليلة أمس ، ثم بدأ في استذكار دروسه .
قلت في صوت هامس خشيةً أن أُفقده تركيزه : ألم تنهِ استذكار دروسك بالأمس .
التفت إلي في بطئ و قال في شرود : بلى ، و لكن المراجعة ضرورية كما تعلم ، و ربما يفصل سؤال واحد بيني و بين تحقيق حلمي .
قلت له : و لكنك لم تحصل على قسطٍ وافر من النوم .
أومأ برأسه موافقاً و هو يقول : أنت مُحِق و لكن ما باليد حيلة .
قالها ثم التفت مجدداً إلى كتبه و كأنما يؤكد لي أنه  غير مستعد على الاطلاق أن يُضيع ولو ثانيةٍ واحدةٍ في الثرثرة ، فالتفت عائداً إلى غرفة نومي في صمت .
-------------------------------------------------------------------------------------------
" ماذا فعلت في الاختبار يا ولدي ، طمئن قلبي "
قالتها أمي في قلق لسامح الذي عاد لتوه من اختباره الأخير في الثانوية العامة .
اتخذ سامح أقرب المقاعد إليه و جلس عليه و هو يلهث قائلاً : رويدك قليلاً يا أمي ، أود أن ألتقط أنفاسي .
قالها ثم تنهد بعمق ، و الام تتابعه بعينيها بقلق شديد ، فقال و قد رسم على وجهه ابتسامة : اطمئني يا أمي ، لقد أبليت بلاءً حسناً في الاختبار برغم صعوبة تلك المادة ، فقد كنت أخشاها دوماً .
ارتمت الام هي الاخرى ، على أقرب المقاعد إليها هي الأخرى و قالت : حمداً لله .. حمداً لله .
سألته قائلاًَ : و الان يا سامح ، علام تنوي ؟
قال سامح في حسم : دعنا لا نستبق الاحداث ، فلننتظر النتيجة أولاً ، ثم نرى .
------------------------------------------------------------------------------------------------------
" طب ؟ "
قالها والدنا و هو يواجه سامح الذي قال : نعم يا أبي نتيجة التنسيق ، كلية الطب ، جامعة القاهرة .
سأل أبي سامح : و هل انت مقتنع بهذه الكلية يا ولدي تمام الاقتناع ؟
قال سامح و هو يومئ برأسه : تمام الاقتناع يا أبي .. تمام الاقتناع .
قلت له مداعباً : و لكنك كنت دوماً ترفض مبدأ كليات لمجرد دخولها .
عقد حاجباه غاضباً و هو يقول لي : و من قال أنني سوف أدخل تلك الكلية لمجرد انها من كليات القمة ، أنا أرفض هذا المبدأ من الاساس ، الكليات الكبيرة ليست الطب و الهندسة فحسب ، كل الكليات كليات قمة بطلابها المتفقون ، تخيل العالم بدون صحفيو كلية الإعلام و محامو كلية الحقوق و محاسبو كلية التجارة و غيرهم ..
ثم صمت برهة و تابع :
لقد دخلت تلك الكلية لحبي و إيماني الشديد بمهنة الطب ، كم هو رائع أن تكون طبيباً ، و تكون سبباً في شفاء آلام المرضى .
قال جملته الأخيرة بتأثر ، فصمتنا جميعاً للحظات ، ثم قال أبي :
بارك الله فيك يا ولدي و وفقك .
ثم ذهبت إليه أنا و احتضنته قائلاً : و أنا واثق من أنك ستكون أفضل طبيب في العالم كله.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
" أين أبي ؟ "
قالها أخي و هو يدلف مهرولاً إلى تلك القاعة الصغيرة في تلك المستشفى الحكومي المتواضعة ، و عندما دخل ابتلعت لعابي في صعوبة و توجهت إليه و قلت له بعد تنهيدة حارة و الدموع تسيل على وجنتاي : البقاء لله .   
عندئذ انهار أخي على أقرب المقاعد إليه ، و أخذ يذرف الدموع في صمت .
----------------------------------------------------------------------------
" هل تريدون خداعي أم ماذا ؟ "
قالها أخي سامح غاضباً و هو يواجه أحد الأطباء في تلك المستشفى ، ثم تابع قائلاً : أنا طالب في كلية الطب ، و لن تستطيع خداعي بهذا الهراء فلن أصدقه قط .
قال الطبيب في حدة : صدق أو لا تصدق  فهذا شأنك ، و لكن هذا هو التقرير الرسمي .
و فجـأة ثار سامح أيما الثورة و أمسك الطبيب من ياقة معطفه ثم صدمه بالحائط  بعنف، و اتسعت عينا الطبيب في هلع وسط ذعر الموجودين بالمكان ..
قال أخي للطبيب في صرامة : اسمع يا هذا ، لست غر ساذج لأصدق ما كتبتموه في ذلك التقرير الأحمق ، الوفاة ليست بسبب تلك الأزمة القلبية المزعومة ، فأبي لم يعاني أي شيء من هذا القبيل طوال حياته ، سبب الوفاة الحقيقي هو ذلك الإهمال البشع في تلك المستشفى الحقيرة .
و ما أنهى كلماته ، حتى استفاق الطبيب من صدمته و صاح في ثورة : أين الأمن ؟! أين الأمن ؟! فلتخرجوا هذا المجنون من هنا .
عندئذ دخلت أنا إلى تلك القاعة بعد أن جذبتني الضوضاء الصادرة منها ..
و سرعان ما تداركت الموقف و هرعت إلى أخي محاولاً تهدئته و قلت له : اتركه يا سامح ، اتركه .
عندئذ أفلت سامح الطبيب الذي أخذ يلهث في عنف و كأنما كانت تطارده الأشباح ..
و عندما التقط انفاسه صرخ في قائلاً : خذ هذا الهمجي بعيداً عن هنا و إلا لكنته درساً قاسياً .
رفع أخي يده استعداداً للكمه ، و لكني أمسكت بها في سرعة و قالت له : رويدك يا أخي ، لا تفقد أعصابك هذا النحو ، تعال فلنخرج من هنا الآن .
عندئذ ، أنزل سامح يده ، و سار معي إلى الخارج في صمت .
-------------------------------------------------------------------
 " لقد رفضوا المشروع "
قالها أخي سامح بحزن و آسى شديدين ثم استطرد قائلاً و على وجهه شبح ابتسامة ساخرة :
لقد قالوا أن الميزانية لا تكفي لتنفيذ هذا المشروع ، و أن لديهم أشياء أكثر أهمية يقلقون بشأنها .
صحت في غضب : أشياء أكثر أهمية !
ما هي تلك الأشياء التي تفوق أهميتها أهمية شفاء المرضى و مداواة جروحهم ، اننا يومياً نرى على شاشات التلفاز و صفحات الجرائد تلك المبالغ الخرافية التي توزع هنا و هناك على أشياء تافهة ، أين تذهب تلك الأموال في تنفيذ تلك المشاريع المهمة مثل مشروعك قليل التكلفة !
قال سامح بلهجة تمزج بين الألم و السخرية : نحن في بلدٍ أحاط بها الفساد من كل جانب ، حتى أصبح العلم في ذيل قائمة أولوياتها ، لم يعد يهتم أحد سوى بالمال و النفوذ فحسب ..
قالها ثم تنهد بعمق و تابع في حزم : لا يمكنني أن أستمر في العيش بهذا البلد قط .. سأسافر يا أخي ، سأسافر يا أمي .
عندئذ تكلمت أمي و قالت في لوعة : تسافر ؟ ما الذي تقوله هذا يا ولدي ؟
التفت إليها سامح قائلاً : معذرةً يا أمي ، و لكني اتخذت قراري بالفعل ، سأذهب إلي بلد تقدر العلم و تهتم به ..
إلى دولة تعي إن العلم و العلماء هم مقياس تقدم الأمم ، و هم أساس نهضتها .
قالت أمي و قد بدأت بالبكاء : و لكن هل سترحل و تتركنا وحدنا هنا ؟!
رد سامح مطمئناً و قد اقترب منها و انحنى ليقبل يدها : لا تخشي شيئاً قط يا أمي ، لن أترككم قط وحدكم ، فلو استطعت أن أسافر و وفقني الله بعمل جيد ، فسوف أبادر بإرسال المال إليكم فوراً .
قال الام : يا ولدي المشكلة ليست في المال فحسب ، كيف ستعيش في بلد غريب وحدك هكذا ؟  و كيف ستوفر نقوداً للسفر ؟!
قال سامح في سرعة : سأعمل ليل نهار لتوفير المال اللازم ، و سأكبل بكل العناء في سبيل حياةٍ كريمةٍ لنا جميعاً يا أمي .
انسابت الدموع على وجنتي أمي في صمت ، بينما توجهت أنا إلى سامح و قلت له و أنا أربت على كتفه : برغم أنني أختلف معك يا أخي ، و لكن لا يسعني سوى أن أتمنى لك التوفيق .
ابتسم سامح و هو يقول : شكراً يا أخي .. شكراً .
--------------------------------------------------------------
بعد مرور عام ..
عاد أخي للمنزل متأخراً عن موعده في ذلك اليوم ، و لكنه لم تكد قدماه تطأ داخل المنزل حتى هرع إلينا قائلاً بسعادة بالغة : أمي .. سامح ، لقد حصلت على التأشيرة و سأسافر في خلال أسبوع واحد فحسب .
امتقع وجهي في شدة و بدت عليه آثار الصدمة فقد حانت اللحظة التي كنا نخشاها ، و لكنني جاهدت كثيراً لأتخلص من هذا الانفعال و بذلت جهداً كبيراً لأرسُم على وجهي الابتسامة و أنا أقول : مبارك يا سامح .. مبارك لك .
فيما ارتسم الحزن على وجه أمي و لم تستطع أن تقول أي شيء فتوجه سامح إيها و انحنى ليقبل يدها قائلاً : صدقيني يا أمي أنا أفعل هذا من أجلكم جميعاً ، فلم يعد هناك مستقبل في هذا البلد .. صدقيني .
قلت لسامح في حزن : و لكن ألن تحضُر حفل تخرجي يا سامح ؟
اعتدل سامح واقفاً و صمت برهة و بدت عليه علامات التفكير ثم قال : لا تخف يا أخي سأحضر الحفل .. سأحضره بإذن الله .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
" شكراً لك يا سامح على حضورك للحفل "
قلتها مخاطباً سامح الواقف أمامي الذي قال لي : لا تشكرني يا أخي ، و الان ينبغي علي أن أرحل فالباخرة ستتحرك بعد ساعتين و ينبغي أن أصل للميناء في غضون الساعة .
قلت له بعد تنهيدة عميقة : حسناً ، دعني آتي معك للميناء و ..
قاطعني سامح قائلاً بابتسامة خفيفة : كلا ، فلتكمل أنت حفلتك ، و سأذهب أنا .
قلت : و لكن ..
قاطعني مجدداً في حزم : ابقَِِِ أنت هنا .
شعرت بأنه لا جدوى من النقاش فصافحته قائلاً : حسناً إلى اللقاء يا سامح ، ووفقك الله فيما تريد يا أخي .
قال سامح و يحتضنني : إلى اللقاء يا أخي ، انتبه إلى نفسك و إلى أمي جيداً ، و أتمنى أن يحالفك الحظ و ألا يكون مصيرك مثلي .. و بإذن الله تجد عملاً جيداً يا سيادة المهندس .
قالها ثم انحنى و التقط حقيبته من على الأرض و قال : إلى اللقاء يا أخي .. إلى اللقاء .
ثم توجه نحو باب الخروج ، فسرت معه حتى خرج من الباب و أخذت أتابعه ببصري و هو يبتعد و رأيته يلوح لي بيده مودعاً من بعيد بلحوت له أنا أيضاً بيدي ثم بعدها أختفى من الأفق ..
أختفى تماماً .
-----------------------------------------------------------------------------
" أخي "
قلتها بلوعة شديدةٍ و أنا أدلف إلى تلك المستشفى التابعة لذلك الميناء فور سماعي لذلك الخبر بغرق تلك الباخرة التي رحل عليها ، تاركاً أمي في بحر من الدموع و الألم في المنزل ..
لم أكد أدخل حتى توجهت إلى أقرب المسئولين بالمكان و قلت له في انفعال : أخي .. أين أخي ؟
نظر إلي و قال في لا مبالاة : ما هو أسمه ؟
قلت له : سامح عبد المجيد صبري .
أخذ يراجع بعض البيانات أمامه ثم قال باقتضاب : البقاء لله .
عندئذ صرخت في وجهه : ما الذي تقوله يا هذا ؟ هل تمزج ؟
قال لي في صرامة : أليس هو ذلك الشاب الذي كان على متن تلك الباخرة الغارقة ؟
قلت له و شفتاي ترتجفان : بلى ، هو .
قال في برود مستفز : كما قلت لك سابقاً ، لقد كان من ضحايا تلك الحادث ، البقاء لله ..
 و ..
و لست أستطيع أن أصف تلك المشاعر التي انتابتني في تلك اللحظة العصيبة ..
انتابني الغضب ..
و الحزن ..
و الألم ..
و الثورة ..
كنت أود أن أنفجر في من أمامي و كأنه المسئول عن تلك الحادثة و عن غرق تلك الباخرة ..
و لكني لست أدري حتى الآن كيف استطعت التماسك و أن أقول لذلك الرجل : و أين .. أين هو ؟
أشار إلى باب إحدى الغرف ..
و بدون أدنى تفكير ، توجهت إلى تلك الغرفة و فتحتها ..
و داخلها كانت ترقد الجثث ..
و لست أدري كيف جاءت لي الجرأة الكفاية للنظر إليها ، فمنها المحترق و منها المشوه و المليء بالجروح و غيرها و التي كانت كفيلة ببث الذعر في أشجع القلوب ، و لكن برغم كل ذلك تابعت بحثي داخل أروقة المكان ..
و أدهشني أكثر أنني عثرت عليها بتلك السرعة ..
على جثته ..
جثة أخي ..
سامح ..
و بسرعة توجهت إليه و نظرت إلى وجهه المتسم بشحوب الموتى و عيناي تذرفان الدموع في صمت ..
و أمسكت بيده و انحيت وجهي على صدره ..
و هنا أقتحم بعض الرجال المكان ..
و لكنني لم أبالِ بهم على الإطلاق ..
استرخيت على صدره و دموعي مستمرة في الانسدال .. 
و بعدها أظلمت الدنيا أمام عيناي .
--------------------------------------------------------------
بعد مرور بضعة سنوات
" لقد طردوني من العمل "
قلتها بحسرة و ألم شديدين و أنا أواجه أمي شاحبت الوجه ، و تابعت بسخرية مريرة :
لقد قال لي المدير أنني أتدخل فيما لا يعنيني ..
لقد أزاحوني عن الطريق حتى لا أكشف مخالفاتهم العديدة و لكي لا أعارض مخططاتهم ..
أعتذر منكِ يا أمي ، لقد مصدر رزقنا ، و لكنني لم أستطع تجاهل أعمالهم الحقيرة تلك قط .
قالت لي أمي في محاولة لتشجيعي :
لا تعتذر يا ولدي ، فطالما قد فعلت ما تؤمن بأنه صواب و أرحت ضميرك فلا تخشَ شيئاً قط و ثق بأن الله سينصرك دائماً .
نهضت و قلت محاولاً أن أبدو مبتسماً : أشكرك يا أمي كثيراً .. أشكرك .
قلتها ثم توجهت إلى غرفتي في صمت .
------------------------------------------------------------------------------
دخلت إلى غرفتي و توجهت إلى الفراش و استندت إلى حافته بظهري ..
في تلك اللحظة كنت أشعر بألم الدنيا كلها ..
شعرت بأن المستقبل مظلم أمامي ، و أنني قد خسرت كل شيء ..
و عند هذه النقطة ، شعرت بغضب و حنق و سخط لا مثيل لهم ..
بكل ما حدث لي سببه شيء واحد ..
الفساد ..
الفساد الذي أحاط بكل ما يحيط بنا حتى أصاب الهواء الذي نتنفسه ..
هو سبب وفاة والدي ، و غرق أخي ، و ضياعي ..
و عند هذه النقطة شعرت بغصة في حلقي ..
شعرت بأنني سأختنق ..
فنهضت من على الفراش ..
و توجهت إلى متنفسي الوحيد ..
جهاز الكمبيوتر ..
ذهبت و فتحت الجهاز و دخلت على الانترنت و أخذت أتصفحه في صمت ..
كل شيء بدا عادياً كالمعتاد ، و سرعان ما أصابني الملل و نوبت إغلاقه و أن أذهب للنوم قليلاً و ..
و فجأة لمحتها ..
لمحت تلك الصفحة ..
فتحتها و طالعتها في سرعة ..
و هنا و لأول مرة ارتسمت على شفتي ابتسامةً واسعة .
للغاية ..
----------------------------------------------------------------
فجأة دوت تلك الرصاصة ..
و بدويها أفقت من نهر ذكرياتي العميق ..
أصابت الرصاصة ساقي ، وسالت الدماء منها بغزارة شديدة ..
ترنح جسدي بعنف و كدت أسقط أرضاً ، لولا أنني استندت بيداي على الأرض بقوة ..
و استجمعت كل طاقتي للنهوض ، و لكن هنا أصابتني رصاصة أخرى في صدري ..
و هنا هرع الناس حولي في سرعة ليحاولوا اسعافي ..
 و لكنني لم أعرهم أدنى اهتمام ..
فقط نظرت إلى أعلى ، و لمحت طيفي أبي و أخي مجدداً ..
كان هذا كفيلاً بأن يمحو كل آلامي ، و أن يحفز كل عضلاتي ..
و استمرت الأجساد في التساقط من حولي و أُريقت الدماء أنهاراً برصاصات رجال الأمن ذوي الزي الشبحي الأسود الغادرة في قلب ذلك الميدان العريق ..
و برغم كل آلامي نهضت مستنداً على من حولي ، تجاهلت دمائي التي أخذت تهطل بغزارة الأمطار و استجمعت كل طاقتي صائحاً :
الشعب يريد إسقاط النظام .
لست أدري ماذا حدث بعدها بالضبط ، و لكن بدا و كأن جملتي تلك قد أثارت الحماسة في كل من حولي ..
و ترددت تلك الصيحة في كل مكان ..
لم يخشوا أبداً تلك الطلقات الطائشة ..
ارتاح قلبي بشدة ، و تأكدت بأنني قد فعلت كل ما بوسعي ..
و برغم دمائي الغزيرة تمكنت من الوقوف بدون مساندةٍ من أحد ..
و لكن فجأة أصابتني رصاصة أخرى في صدري ، عندئذ سقطت أرضاً و لم أتكبل حتى عناء محاولة الوقوف فلم يعُد يهمني ذلك ..
لقد أديت دوري ..
أخذت أشاهد حماسة الناس من حولي في سعادةٍ بالغة ..
  ثم سمعت تلك الكلمات قادمةً من بعيد :
" قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية و تسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة "
عندئذ أشتعل الميدان فرحاً ، و ارتفع علم مصر عالياً مرفرفاً ..
 نظرت إلى الأعلى و لمحت طيفهما مجدداً و لكن هذه المرة كانا يبتسمان ..
عندئذ ابتسمت أنا الأخر و أغلقت عيناي في اطمئنان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;