بحث في المدونة

الاثنين، 16 مايو 2011

يوميات عائلة متواضعة جداً ( الحلقة الثانية )

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الحلقة الثانية من ( عائلة متواضعة جداً )



-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


ما إن وجد إبراهيم نفسه داخل الميكروباص حتى تنهد بارتياح ، كانت لك من المرات القليلة التي استطاع الدخول بها إلى داخل وسيلة من المواصلات العامة بدون خسائر

و الان كان عليه أن يجد مكان يمكث فيه حتى تمضبي الثلاثون الدقيقة اللازمين لوصوله للمحطة التي يريدها على خير

كان من المستحيل أن يفكر حتى في أن يجد مقعداً خاوياً و لكن كان أقصى امانيه أن يجد عموداً به مكان ليد بشرية متوسطة الحجم ليسمسك به و يستند عليه

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


المحطة التالية    

بعد عذاب و رحلة تصيب بالاكتئاب خرج إبراهيم من الباب

و في المحظة أخذ ينتظر مدة لا تقل عن تلك التي كانت في المحطة السابقة و أخيراً وصلت احد الحافلات الحكومية ( الفاخرة ) و كان ذلك واضحاً على ألوانها الباهتة و عجلاتها الفضائية ( فهي لم تكن تامة الاستدارة بل كانت ذات شكل عجيب فحتى فيثاغورث * يحتار في تفسيره ) و في الداخل فالتكييفات معطلة ( بس على الاقل في تكييفات ، و لو حتى للزينة ) و المقاعد ( إن صح تسميتها بذلك ) كانت .... احم احم ، و كذلك الاعمدة صدئة ... إلخ


و بالداخل لم يكن الوضع يختلف كثيراً عما سبقه في الميكروباص باستثناء أن العدد أكبر بطبيعة الحال و ذلك لأنها حافلة و هي أكبر حجماً بالطبع فضلاً على أنها كانت ( حكومية ) و هذه الكلمة الاخيرة ينبغي أن نلاحظها جيداً ، فهي تعني الكثير و الكثير جداً

باستثناء ما ذكرنا سابقاً فهي تعني أعداداً غفيراً من البشر يتراصون في مكان واحد لا تزيد مساحته عن عشرة أمتار مربعة
و لكن الان علينا أن لا ننظر للامور من الجانب المظلم فقط ، بل لابد علينا أيضاً أن ننظر للجانب المشرق للامور و الذي يتركز في ثلاث نقاط أساسية و هي :
1 - هذه الاعداد الغفيرة تدل على ان مصر تملك التقدم العلمي و ليس كما يقول البعض فنحن لدينا حافلات تعد الاعلى سعة في العالم أجمع ( مما يؤهلنا لدخول موسوعة جينيس للارقام القياسية و لكن لست أدري لما لم يُسجل رقمنا فيها بعد ) و لكن على الاقل نحن لنحتل المركز الاول في شئ ما
2 - هذه الحافلات تزيد من صلابة و قوة تحمل المصريين و هذا ما يفسر قدرتهم على الانتظار في المحطات العامة لساعات و ساعات تحت حرارة الشمس اللافحة بدون أن يلقى أي منهم حتفه !!!!
3 - كذلك تفيد تلك الحافلات في اكساب المصريين المرونة و الرشاقة ( وهذا ما يفسر أن المصريين خامس أكثر الشعوب بدانة !!! )  مما يعطيهم القدرة على الجلوس و التواجد في اضيق الاماكن و المساحات مما يوفر الكثير من المصاريف في توفير الكثير من المقاعد المريحة في باقي الاماكن العامة ( فقط يكفي قطعة من الخشب  طولها 2 سم و عرضها 5 ملم )
و بالطبع كان إبراهيم من أولئك الذين يتمتعون بالقدرة الرهيبة على الجلوس أو الوقوف في أضيق الحدود الممكنة و دس نفسه في وسط الجموع و تشبث بأحد الأعمدة في استماتة جندي ، و ذلك لانه لم يجد اي من المقاعد تحتوي حتى على 5 مليمترات خاوية
و في هذا الموقف تتجسد أمامنا فائدة أخرى من فوائد وسائل المواصلات الحكومية و هي :
القدرة في البقاء على قيد الحياة بتنفس أقل كمية ممكنة من الأكسجين في أضيق الحدود الممكنة من المساحة
 فبالله عليكم أليس هذا رائعاً
هل تجدون كل هذه المميزات في وسائل المواصلات في بلد في العالم
فكيف نشكو من هذه الحافلات الممتعة و هذه التدريبات الجميلة ؟؟!!!!

عصابة الأفيال
كالعادة كان إبراهيم من هئلاء الذين يتمتعون بالقدرة على التنفس بأقل كمية من الهواء ، فقد كان يطوقه من الجوانب الاربعة مجموعات من البشر و قد كان معظمهم من ذوي الاوزان الخفيفة ( فقط 200 رطل و أكثر ) مما أدى إلى تقليص حصته الرسمية في الأكسجين
و في الطريق أخذ أحد الافيال ... عفواً أقصد أحد الأشخاص ، يفحص إبراهيم ببصره بصورة مثيرة للريبة و قبل أن يلاحظ إبراهيم ذلك قال الفيــ ... الرجل لإبراهيم  : أهلاً يا أخ

رد إبراهيم بدهشة : أهلاً و سهلاً ... لكن انت تعرفني
رد الرجل : لا
تضاعت دهشة إبراهيم و هو يقول : طيب ، أي خدمة ؟

رد الرجل : أيوا عايز .....
قال إبراهيم و قد كادت يده أن تنزلق من العمود عندما انحرف السائق في احد المنعطفات : عايز ايه ؟
و فجأة ركض فيــــ .. رجل آخر نحو إبراهيم قائلاً : عايز محفظتك
و تسمر إبراهيم في موضعه من وقع المفاجأة مما سهل المهمة كثيراً للرجل فدس يده في جيب إبراهيم التي برزت منه محفظته ( على نحو يتناقض تماماً مع الحالة المزرية لملابسه ) و ما ان انتزعها حتى ركض نحو باب الحافلة و قفز منه قفزة تشبه قفزات توم كروز في أفلام Mission Impossible ( من تأثير المواصلات العامة )
و قد تبعه في هذا الفيــ .. الرجل الذي كان يحدث إبراهيم
كل هذا حدث في بضع ثوانِ مما أكد أنهم محترفون ، و أنها ليست السرقة الأولى لهم
كل هذا وإبراهيم متجمد في مكانه بلا حراك و لكن ناب عنه رجل قال للسائق : وقف الاتوبيس يا اسطى في واحد اتسرق . و قد كان في طريقه للباب و كان يبدو أنه تبرع لمطاردة اللصوص

و لكن بدا أن جملته هذه أذابت الجليد الذي كان يحيط بإبراهيم فقال بسرعة : لا متوقفش حاجة يا اسطى  ( برغم أن الحافلة كانت تتحرك بسرعته الطبيعية .. بل زادت أيضا ً، و لم يبد على السائق أنه لديه نية للتوقف )
ما أن قالها حتى أثار ذهول جميع الركاب د
فقال الرجل الذي طلب من السائق التوقف في تعجب : ليه كده ، انت مش عايز فلوسك و لا ايه ؟
قال إبراهيم في غموض : لا عايزها طبعاً

فزاد تعجب الرجل و هو يقول : طيب مش عايزنا نحاول نلحقهم ليه ؟
قال إبراهيم : أولاً احنا مش هنلحقهم  ، و دي مش اول مرة يحصلي الموقف ده حصل لي ثلاث مرات قبل كده و عرفت اني استحالة الحق حرامي اتوبيسات
ثم تابع في زهو و قد تضاعفت دهشة الرجل و من حوله :
لهذا خطرت لي فكرة عبقرية لتجنب تلك السرقات
نظر له الجميع بتساؤل و فضول
فزاد ذلك من زهوته فقال ( بأسلوب يوحي بأنه آينشتاين عصره ) : ببساطة أيها السادة فكرت بأن أخادع اللصوص بوضع محفظة منتفخة في أحد جيوبي و لكنها ، ليست منتفخة من المال ..... بل من الورق
أما المال الحقيقي فأضع في جيب آخر و عندما ينظر اللص يلفت الجيب المنتفخ إنتباهه و يتجاهل الجيب الاخر تماماً كما فعل الاحمق السابق
اثار كلامه هذا موجة من الإعجاب و التصفيق الحار في الحافلة
و قال إبراهيم : و لم يكلفني هذا سوى قطعة جلدية او قماشية قديمة اقوم بتخييطها لتبدو مثل المحفظة ، فأنا لن أكلف نفسي محفظة يومياً
( أصدقتم الان ان لدينا وسائل مواصلات عامة و حافلات مذهلة فهي تنمي الفكر و تزيد نسة الذكاء و تنشط الدورة الدموية )
يتبع .............
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* فيثاغورث : فيثاغورث أو فيثاغورس أوفيتاغورس الساموسي هو فيلسوف ورياضي إغريقي (يوناني) عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وتنسب إليه مبرهنة فيثاغورث.
هتم اهتماما كبيرا بالرياضيات وخصوصا بالأرقام وقدس الرقم عشرة لأنه يمثل الكمال كما اهتم بالموسيقى وقال أن الكون يتألف من التمازج بين العدد والنغم. أجبر فيثاغورث أتباعه من دارسي الهندسة على عدة أمور قال أنه نقلها في رحلاته من المزاولين للهندسة:
  • ارتداء الملابس البيضاء.
  • التأمل في أوقات محددة.
  • الامتناع عن أكل اللحوم.
  • الامتناع عن أكل الفول.
لا يَعرف تماماً مكان وزمان وفاته و لكن يرجح أنه توفي عام 500ق.م. ظلت تعاليمه ونظرياته تزداد انتشاراً بعد مائتي عام اقام مجلس الشعب (البرلمان)تمثالاً لفيثاغورس في روما شكراً له على انجازه ووصفه المجلس بالحكيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;