بحث في المدونة

السبت، 18 فبراير 2012

آلة الزمن : الفصل الثالث ( أسرار الماضي )

آلة الزمن : الفصل الثالث ( أسرار الماضي )

by Ahmed Mousa on Saturday, 18 February 2012 at 02:51 ·
رابط الفصل الأول :
https://www.facebook.com/note.php?note_id=267909256613455
رابط الفصل الثاني :
https://www.facebook.com/note.php?note_id=269267316477649
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
دس ياسر مفتاح باب منزله البسيط و الذي يقطنه مع أخيه يسري في رتاجه و أداره مرتين لينفتح الباب كاشفاً عن غرفة جلوسه البسيطة كذلك التي كانت غارقة في ظلامٍ دامسٍ .
دلف ياسر بهدوء داخل المنزل و أغلق الباب من خلفه ثم جال ببصره في أرجاء المنزل بسرعة الذي بدا و كأنه خالياً تماماً ..
تساءل ياسر في نفسه : أين يسري يا ترى ؟ لقد أخبرني أنه سيكون في انتظاري هنا ؟
و ما انفك ياسر ينهي أفكاره حتى لمح شخصاً قادماً من أحدى الغرف و رغم الظلام الشديد استطاع ياسر التعرف عليه بسهولة فسأله مازحاً : مرحباً يا يسري ، ما هذا الظلام يا فتى ، هل تقوم بطقوس ما ؟
تجاهل يسري مزحته تماماً و توقف أمام ياسر تماماً بدون أن ينبس ببنت شفة فلاحظ ياسر للوهلة الأولى أنه يحمل شيئاً ما في يده فسأله عن ماهيته و هو يشير إليه بسبابته قائلاً : ما هذا الذي تحمله في يدك يا يسري ؟
نظر يسري إلى يده و أخذ يحدق بما فيها و كأنما لا يدري ما يحمله ثم صاح فجأة ً و كأنما تذكره : هذا هو الأمر الذي كنت أريد التحدث إليك بشأنه .
ثم استطرد ساخراً و هو يرفع ما بيده نحو وجه ياسر ليراه : هذا هو .
فاتسعت عينا ياسر و هو يرى ما بيد يسري و صاح و هو يشيح بوجهه قائلاً : لا .. ماذا ستفعل ؟!
****************************************************************************
أخذ البروفيسور يجول في أنحاء معمله السري الذي يحوي آلة الزمن في توتر شديد منتظراً عودة ياسر التي تأخرت كثيراً فقد امتد غيابه لساعةٍ كاملةٍ أو تزيد فأخذ يفكر في نفسه بقلق عن سبب هذا التأخر الشديد ، فقد أخبره ياسر أن الأمر لن يستغرق سوى دقائق قليلة ثم أن منزله ليس بالبعيد .
و بعد مرور ساعة و نصف الساعة  سمع البروفيسور صوت وقع خطوات أقدام فالتفت بلهفة إلى باب المعمل ليرى مصدره  فوجد ياسر يخطو من باب المعمل و قد عاد أخيراً فحياه بابتسامةٍ قائلا ً : مرحباً بعودتك يا ياسر ، ما سبب كل هذا التأخر ؟ لقد بلغ القلق مني مبلغاً .
قال ياسر مرتبكاً : معذرة ً يا بروفيسور فقد كنت أبدل ملابسي و أستعد لرحلتنا و كذا كنت أخبر أخي أنني سأتغيب لبعض الوقت حتى لا يصيبه القلق .
سأله البروفيسور في سرعة : و ماذا أخبرته ؟ إياك أن تكون قد أخبرته أي شيء عن الآلة ؟
ابتسم ياسر و هو يقول للبروفيسور مطمئناً : لا تخشَ شيئاً يا بروفيسور ، فقط أخبرته أنني سأرحل في رحلة عمل ، و لا أدري متى سأعود بالضبط .
عدل البروفيسور من وضع منظاره الطبي على أنفه و هو يقول بارتياح : أحسنت صنعاً .
قالها ثم اتجه نحو الآلة و هو يقول في حزم : و الآن سأفحص الآلة و أتأكد من كل شيء قبل أن نغادر في رحلتنا  .
سأله ياسر : هل أستطيع أن أساعدك بأي شيء يا بروفيسور ؟
أجابه  البروفيسور و قد انحنى يبدأ في فحص الآلة بانهماك : فقط أحضر لي حقيبة أدواتي من فضلك .
و لكن ياسر لم يحرك ساكناً و كاد أن يحرك شفتيه ليقول شيئاً ما ، و لكن غلبه التردد فسأله البروفيسور :   ما خطبك يا ياسر ، لما تقف متسمراً هكذا ؟!
قال ياسر و قد بدا عليه الارتباك : أردت فقط أن أسأل أين  حقيبة الأدوات تلك ؟
قال البروفيسور باندهاش : ما بك يا ياسر ؟ هل نسيت أنني أضعه دائماً في خزانة معملي ؟
قال ياسر للبروفيسور : آه .. معذراً يا بروفيسور لقد نسيت .. حسناً يبدو أنني مشتت قليلاً ، سأذهب لأحضرها في الحال .
قالها و ذهب لإحضارها على الفور بينما هز البروفيسور كتفيه في حيرة و عادة لينهمك في فصحه ريثما يعود ياسر ، الذي لم يلبث أن عاد سريعاً و هو يحمل تلك الحقيبة فأشار له البروفيسور بأن يناوله إياها فاقترب منه ياسر و جلس بجواره ثم فتح الحقيبة و وضعها له أرضاً .
فابتسم البروفيسور و نظر إلى ياسر قائلاً : شكراً يا ياسر ، و الآن ساعدني في ...
بتر عبارته و اتسعت عيناه و هو يحدق في ياسر بشدة ، فسأله الأخير قائلاً : ما الأمر يا بروفيسور ؟ لما تحدق بي هكذا ؟
أجاب البروفيسور و هو يواصل التحديق به : ذقنك ؟
تعجب ياسر و سأله متعجباً : ماذا بها ؟
سأله البروفسيور و هو ينهض قائلاً : كيف نمى الشعر في لحيتك عليها بتلك السرعة الكبيرة ؟ لم تكن كذلك منذ ساعتين !
حاول ياسر التماسك و لكن صوته بدا مرتبكا رغماً عنه و هو يجيب : لا يا بروفيسور ، أنها هكذا منذ الصباح ، يبدو أنك لم تنتبه و ...
قاطعه البروفيسور و هو يصيح في حدة :
كاذب ، لن تخدعني بكلامك هذا قط أنك لست ياسر ، لست هو .. لست أدري إن كنت متنكراً أو أنك تشبهه إلى هذا الحد ، و لكنت لست ياسر حتماً ، لقد شككت في أمرك عندما سألتني عن مكان حقيبة الأدوات ، فلا يمكن لياسر الذي يحفظ معملي عن ظهر قلب أن يسألني مثل هذا السؤال مطلقاً ، فهو على درايةٍ كاملة ٍ بأموري ، و لكني تجاوزت هذا الأمر ، و لكنني الآن تأكدت أنك لست هو و لا يوجد أدنى داعٍ للإنكار يا هذا .
 لم يجبه بأي كلمة و اكتفى بالابتسام فحسب ، فسأله البروفيسور في ثورة :
من أنت ؟ و أين ياسر ؟ و ماذا فعلت به ؟ تكلم !
و هنا أجاب الواقف أمامه بنفس الابتسامة :
يبدو أنك لست عبقرياً في الفيزياء فحسب يا بروفيسور علام ، بل أنك عبقري في الاستنتاج و الملاحظة كذلك .
صمت للحظات ثم استطرد قائلاً :
أنت محق بالفعل أنا لست ياسر ، و لكني لست بعيداً عنه .
قال البروفيسور : إذن من أنت ؟ و ماذا تفــ...
بتر عبارته ، عندما وجد ذلك الواقف أمامه ينقض عليه و ويوجه إليه ضربة قوية على رأسه بكلا قبضتيه ..
و حاول البروفيسور تفادي تلك الضربة ..
و لكنه كبر سنه حال ما دون ذلك ، و أصابت الضربة رأسه ..
.. و أظلمت الدنيا أمام عينيه .
****************************************************************************
فجأة أفاق البروفيسور من غيبوبته التي لم يدر كم من الوقت استغرقت بالضبط  ..
.. و حاول فتح عينيه و لكنه لم يتحمل شدة الضوء المفاجئة فأغلق عينيه مجدداً ثم أخذ يفتحهما بالتدريج حتى أبصر ما حوله أخيراً .
وجد أنه في معمله  السري يجلس مقيداً من يديه في احدى المقاعد الصغيرة و كانت آلة الزمن من أمامه و ..
" هل أفقت بهذه السرعة ؟ "
التفت البروفيسور إلى مصدر الصوت فوجد ياسر – أو من كان ينتحل شخصيته – ينظر إليه و قد كان يبتسم في سماجة ، فقطب البروفيسور حاجبيه في ضيق و صاح به في غضبٍ شديد ٍ :
من أنت ، و لما تقيدني هكذا ؟
نهض مواجهه واقفاً على قدميه و قال بدون أن تتلاشى ابتسامته : أنا أعتذر منك يا بروفيسور فأنا مضطر لتقييدك هكذا لذا اهدأ من فضلك و كن متعاوناً و سوف أخبرك بكل شيء فأنا مضطر إلى ذلك على أية حال .
صاح البروفيسور في حنق : كلي آذان مصغية .
أخذ يجول في الغرفة حول البروفيسور و هو يقول : كما أخبرتك مسبقاً ، أنا لست ياسر .
سأله البروفيسور في حدة : من أنت إذن ؟
ابتسم و أجاب قائلاً : أنا يسري .. شقيق سامر .. التوأم .
وهنا استعاد الصمت زمام الأمور من جديد .
****************************************************************************
 صمتٌ مصدوم أصاب البروفيسور عقب ذلك التصريح الخطير الذي أدلى به يسري ..
لم يدر ماذا يقول أو ماذا يفعل في تلك اللحظات ..
و قد لاحظ يُسري جموده هذا فقال : أقدر موقفك و ذهولك هذا و لكن أمهلني قليلاً ، و سوف تعلم بكل شيء .
لم يعلق البروفيسور بشيء ، فاسترسل يُسري في حديثه قائلاً :
كما ترى فأنا و ياسر لسنا مجرد توأمين متشابهين فحسب ، بل كُلٍ منا نُسخة كربونية للآخر و لولا قوة ملاحظتك و بديهتك العالية و خطأي الصغير لما كنت لاحظت أي شيء و لما اُضطرِرت لكشف أوراقي الان قط ..
 و لكنني على أي حال كُنت أضع في الحُسبان إمكانية أن يُكتشف أمري مبكراً ، و فوضعت خُطتي البديلة .
عقب البروفيسور في لهجةً تبدو أقرب إلى السخرية : يُكشف أمرك ؟ و خطة بديلة ؟! تتحدث كما لو كنت عميلاً محترفاً في أحد أفلام الجاسوسية القديمة .
تجاهل  يُسري تعليقه و تابع بابتسامةٍ واسعةٍ و كأنما لم يسمع : و لعلني محقاً في أنك تتوق لمعرفة خطتي العبقرية تلك في أن أستخدم آلتك الزمنية تلك في ..
توقف عن الحديث بضع ثوان ثم برقت عيناه و اتعست ابتسامته في شراسة مستطرداً : في الانتقام من ياسر .
****************************************************************************
" تنتقم ممن ؟! "
قالها البروفيسور في تساؤل مذهول غير مصدقاً ما سمعه ، فأجاب يسري مؤكداً : كما سمعت ، أنتقم من ياسر ، و أسترد حقي منه .
تساءل البروفيسور و قد بدا مشدوهاً : ماذا تقول يا هذا ؟ تنتقم من أخيك ؟ لماذا ؟ ماذا فعل لك ؟
التفت إليه يسري و هو يجيب : فعل الكثير ، و الكثير جداً .
صمت لحظات و شرد ذهنه و بدا أنه يستعيد ذكرى أليمة و هو يستطرد : كان هذا في الماضي .. ماضيه الأسود .
عندما استغلني ، أسوأ الاستغلال و بنى نجاحه على أنقاض مستقبلي الذي هدمه بأنانيته الُمفرطة .
بدا على البروفيسور الاهتمام و اعتدل و هو يحاول إرخاء قيوده : لماذا ؟ ماذا فعل لتقول كل هذا الكلام ؟
تابع يسري في لهجه تشوبها الأسى و كأنما لم يسمع تعليق البروفيسور :
لقد كانت أمي مريضة و قد لقيت حتفها بعد أن جاءت بنا للدنيا بأيامٍ معدودةٍ .
و لم يبقى لنا غير أبي الذي كان يرعانا أفضل الرعاية ، كان يعمل عملاً دؤوباً من أجل راحتنا .
 ثم و بعد أن أصبحت يافعاً شرعت أساعد والدي بأن أخذت أبحث عن عمل في أوقات إجازاتنا حتى أساعده في نفقات الدراسة و لا أزيد عليه المشقة ، بينما ياسر كان يجلس مرتاحاً لا يعبأ بأي شيء و لا يشعر بعنائنا ، و يحصل على ما يشاء بلا أدنى مشقة أو عناء .
صمت لحظاتٍ لم ينقص فيها شغف البروفيسور درجة واحدة ، ثم تابع بصوتٍ مرتجفٍ اللهجة وهو يقاوم الدموع التي تراكمت في عينيه : ثم توفي والدي آثر حادث أليم في عمله ، و تركنا وحدنا في الدنيا ، فلم يكن هناك بداً لنا سوى المزيد من العمل ، أو لي بصورةٍ أدق فياسر لم يكن يفعل شيئاً سوى اللهو و حتى في دراسته لم يكن يستذكر سوى المواد التي تروق له فحسب ، و يترك لي أنا ما لا يستسيغه منها .
كان دائماً يجلس أمامي في لجان الامتحانات ، فقد خدمه القدر بأن يبدأ كل من اسمينا بنفس الحرف ، لذا لم يكن يبذل مجهوداً في الاجابة سوى في المواد التي يحبها فقط و يترك لي أنا المواد الادبية لأنه يبغضها .
و لم يكن من العسير علي أن أفعل له ما يريد ، فلم أكن أهمل أي مادة من المواد مثلما كان يفعل هو و ساعدته فيما يريد في اختبارات الثانوية العامة و لكن ..
توقف عن الحديث ثم عقد حاجبيه في شدة و ضم قبضتيه و هو يتابع و قد ارتسم الغضب على كل خلجة من خلجات وجهه :
حتى جاء ذلك اليوم الاخير المشئوم من الاختبارات و كان في مادة علم النفس التي طالما كنت أعشقها حتى النخاع ، و كان ياسر يعلم ذلك جيداً فلم يتركني و شأني بالطبع حتى أنتهى من كل الاسئلة قبل أن أنهيها أنا حتى ، و لكن يا ليت الأمر أقتصر على هذا ..
تحدث البروفيسور أخيراً بعد فترة إنصاته الطويلة  متسائلاً : ما الذي حدث إذن ؟
أجاب يسري بنفس اللهجة الغاضبة : التفت أحد المراقبين إلي و أنا أخبره بإحدى بالإجابات و لما كان تلك ليست التفاتته الأولى لي فلم يكن ليقبل أي أعذار و لكن ما زاد الطين بلة أن ياسر قد غدر بي ، بدلاً من أن يقدر المعروف .
فقد رسم على وجنتيه ملامح الملاك البريء و أخبر المراقب بكل وقاحة أنني من كنت أحاول الغش منه ، و لم تكن هناك فرصة أفضل من تلك ليستغلها المراقب الذي ضاق بي ذرعاً ، فقام بسحب ورقتي مع محضرٍ للغش بالطبع ، و تم منعي من دخول الامتحان لمدة عامين !
****************************************************************************
يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;