بحث في المدونة

الاثنين، 13 فبراير 2012

آلة الزمن : الفصل الثاني ( الآلة )

" ماذا تعني يا بروفيسور ؟  "
قالها ياسر في غمره ذهوله و انبهاره مخاطباً بروفيسور علام حلمي ، فابتسم البروفيسور قائلاً : أعني ما قلته تماماً يا ياسر ، أن السفر عبر الزمن ممكن و ممكن جداً .
 تضاعفت حيرة ياسر أكثر و أكثر و قال مخاطباً البروفيسور : ألي بمزيد من التوضيح من فضلك ؟
اتسعت ابتسامة البروفيسور أكثر بتضاعف حيرة ياسر و قال موضحاً : الأمر بسيط للغاية يا ياسر و فتى ذكي مثلك ينبغي أن يدركه بسهولة .
قال ياسر و قد أحس بالخجل : اعذرني يا بروفيسور و لكن ذهني قد تشتت للغاية .
قال البروفيسور بدون أن تفارقه ابتسامته : لا عليك يا ولدي ، أنا أقدر ذلك .
توقف بضع لحظات ثم استطرد : الأمر يا ولدي اننا كما كنا في الماضي قليلي الحيلة في الحركة ارتفاعاً قبل اختراع الطائرات و الصواريخ و كذا محدودي الحركة في طولاً و عرضاً  قبل اختراع السيارات و وسائل النقل المختلفة ، فالأمر نفسه ينطبق على البعد الزمني فنحن لا نسير إلا بمقدار ضئيل للغاية و هو ثانية واحدة و في اتجاه واحد فقط و هو المستقبل ، إلا إذا ..
صمت برهة ليلتقط أنفاسه ثم تابع :
 ابتكرنا ما يمكننا من كسر تلك الحواجز ..
 ابتكرنا ما يُعد حلماً يداعب عقول العلماء في كل زمان و مكان و ما سبقهم إليه الأدباء ..آلة الزمن ، و التي أخيراً تمكنت أنا من اختراعها .
اتسعت عينا ياسر في ذهول شديد و قال متلعثماً :
حــ... حــ... حقاً !
قال البروفيسور في نشوة : نعم ، حقاً يا ياسر .. حقاً .
قال ياسر بدون يفارقه الذهول :
و لكن ، هذا مستحيل ، مستحيل ! و لا يمكن أن يُصدق قط !
جلس البروفيسور أخيراً على أقرب المقاعد إليه و قال بهدوء :
بل هي الحقيقة يا ياسر .
هذه المرة هب ياسر واقفاً على قدميه و صاح بانفعال قائلاً :
هل أنت جاد يا بروفيسور ؟ و لكن كيف ؟ و متى ؟ و لما لم تعلن عن الأمر حتى الآن ؟!
قال البروفيسور بدون أن يفارقه هدوئه : اجلس يا ياسر و سأشرح لك كل شيء .
احمرت وجنتا ياسر و جلس و هو يقول في حرج : أعتذر منك يا بروفيسور ، لقد غلبني الانفعال بعض الشيء .
ابتسم البروفيسور مجدداً و هو يقول : لا بأس يا ياسر ، و الان سأشرح لك كل شيء .
***********************************************************
" أعتذر منك مجدداً يا ولدي "
أفتتح البروفيسور بتلك الكلمات الحوار مجدداً بعد بضع دقائق من الصمت ثم استطرد قائلاً :
لقد كُنت مُضطراً إلى إخفاء الأمر عنك لحين الوصول إلى نتائج مُرضية ، و الان فقد وصل الأمر إلى مرحلةٍ تلزمني بإخبارك كل شيء ، و ها قد فعلت .
غمغم ياسر :
و لكن اعذرني يا بروفيسور ، فالأمور لا تزال مبهمةً بالنسبة إلي ، فأنت لم تٌجِب على أسئلتي بعد .
قال البروفيسور : أعدها على مسامعي من فضلك .
تنهد ياسر ثم قال متسائلاً : متى قمت بكل بهذا ؟ و ما طبيعة تلك الآلة بالضبط ؟ و لما لم تعلن عن ذك الكشف الهائل للآن ؟
تنهد البروفيسور بدوره و هو يجيب قائلاً : كنت أقوم بتجاربي بعد انتهاء فترة عملك هنا ، فأسهر الليل بطوله في الأبحاث و التجارب و لم أكن أنم إلا ساعة أو اثنتين فحسب ، مما تسبب بإرهاقي في الفترة الأخيرة كما تلاحظ ، و لقد انتهيت أخيراً من عملي منذ لحظات و قد غلبتني السعادة و وجدت نفسي أهتف بذاك الصوت المرتفع .
ثم صمت عن الحديث ليرى انفعال ياسر الذي أكتفى بإيماءةٍ من رأسه و لم ينبس ببنت شفة فاستطرد قائلاً :
أما عن طبيعة تلك الآلة فهي مبنية على نظريتي الذي استفضت في شرحها لك منذ لحظات .
انعقد حاجبا ياسر في شدة و هو يسأل :
هل تعني .. ؟
قاطعه البروفيسور قائلاً و قد برقت عيناه في زهو : نعم يا ياسر ، ستكون تلك الآلة بمثابة المركبة التي تمكننا أخيراً بحركةٍ أكثر حرية في البُعد الزمني ، عن طريق تركيبة مُعقدة من الموجات لا وقت لشرحها الآن و لكن يكفي أن تعلم أنها تقوم على مبدأ انكماش الزمن .
بلغت الاثارة ذروتها عند ياسر و هو يسأل : و لكن يتبقى سؤالي الأخير يا بروفيسور ، كيف تتكتم على ذلك الكشف العظيم ؟
خبا بريق عينا البروفيسور و هز رأسه في ضجر و كأنما قد أوقظه سؤال ياسر من حلمٍ جميلٍ و قال بلهجة آسفةٍ و هو يواجه ياسر برأسه : لأنه و للأسف ما زالت تنقصني اللمسة الأخيرة و الخطوة الحاسمة قبل إعلان الأمر .
أثارت جملته انتباه ياسر فاعتدل في جلسته و هو يتساءل :
و ماهي تلك الخطوة ؟
اكتسى صوت البروفيسور بالحزم و هو يجيب : التجربة ..
.. التجربة العملية .
و لمرة أخرى ، غزا شبح الهدوء المكان .
***********************************************************
 ظل الهدوء و الصمت المصحوبين بالتفكير المطبق مخيماً على المكان ملياً ، حتى كسره البروفيسور أخيراً و يقول لياسر متسائلاً : ماذا قلت ؟
انتزع سؤال البروفيسور ياسر من تفكيره العميق و سأل : رأيي فيم ؟
أجاب البروفيسور : في أن تعينني للتجربة العملية للآلة .
تساءل ياسر قائلاً : هل تقصد تجربة السفر زمنياً بها ؟
أومأ البروفيسور برأسه و قال : بالطبع ، و ماذا غير ذلك ؟ و أنا أطلب منك أن تصحبني في تلك الرحلة .
قال ياسر باضطراب : و لكن يا بروفيسور برغم جهلي بثنايا الأمر و لكني أعتقد إن هذا الأمر خطير للغاية .
قال البروفيسور في حزم : أنت مُحق بالفعل يا ياسر ، الأمر خَطِرٌ إلى أقصى حد و غير مأمون العواقب مطلقاً ، فإن أخطئت حساباتي و لو بمقدار ضئيل قد نبقى في زمن غير زمننا للأبد أو نعلق في مجرى الزمن أو ربما لا يتحمل أحدنا أو كلينا مشقة السفر من الأساس  ..
و لكن للأسف ما من سبيل آخر غير التجربة العملية ، و إلا ستكون جميع أبحاثي و تجارُبي عديمة الفائدة ..
و لكنني في الوقت ذاته لا أرغمك على المخاطرة إطلاقاً ، و لن ألومك قط إن رفضت ، و لكنني فقط عرضت عليك الأمر كي أكون قد أرحت ضميري ، و كذلك ليكون تكريمُ لك في حالة نجاح التجربة بإذن الله ..
فما قرارك ؟ هل ستسافر معي ؟ أم أذهب وحدي ؟
***********************************************************
 " سآتي معك "
قالها ياسر بحزم و هو يواجه البروفيسور الذي ابتسم لقوله و قال بدوره : كنت واثقاً من هذا ! ابتسم ياسر فاستطرد البروفيسور بجدية : و لكن دعني أحذرك مجدداً ، رحلتنا ستكون محفوفة بالمخاطر و غير مأمونة العواقب قط .
أومأ ياسر برأسه و هو يقول بنفس اللهجة الحازمة : أنا آتٍ معك يا بروفيسور و لن أتخلى عنك قط ، فقط كنت مذهولاً من المفاجأة ليس أكثر ، و لكنني لم أكن لأتردد في عونك أعلى الإطلاق .
عادت للبروفيسور ابتسامته من جديد و قال و هو ينهض : إذن دعنا لا نُضيع المزيد من الوقت ، هل أنت مستعد ؟
نهض ياسر بدوره و هو يقول في حماسة : أجل بالتأكيد ، أنا في توقٍ شديد لرؤية تلك الآلة .
غمز البروفيسور لياسر بعينه و هو يقول : إذن اتبعني و سترى العجائب !
قالها ثم توجه إلى أحد أركان المعمل و تبعه ياسر في صمت مترقب .
توقف البروفيسور أمام أحد الأركان و ضغط بأصبعه الإبهام على المسافة الفاصلة بين الحائط الأيمن و الحائط الأمامي وسط مراقبة ياسر و حيرته .
ثم فجأة تحول جزء ما من تلك المنطقة إلى ما يشبه لوحاً مربعاً من الزجاج المصقول شبه الشفاف ، ثم مر علي ذلك الزجاج شعاعاً وردي اللون ذهاباً و إياباً أسفل إبهام البروفيسور و قد خمن ياسر أنه جهاز لفحص بصمات الأصابع و لكنه كان متحيراً من نمطه العجيب ..
قطع حبل أفكاره تلون ذلك المربع الزجاجي بأكمله باللون الأخضر وسط تساؤلاته الصامتة بما يعنيه هذا ..
و فجأة ، اهتزت الأرض بصورة فاجأت ياسر حتى كاد أن يفقد توازنه لولا أنه تشبث بطرف مكتب البروفيسور الذي لم يبد عليه أي آثر للمفاجأة أو الذهول مطلقاً فسأله ياسر : ماذا يجري يا بروفيسور ؟!
و انتظر ياسر من البروفيسور أن يجيب و لكنه لم يفعل بل أكتفى بالابتسام فقط كعادته مما أثار حنق ياسر الذي آثر الصمت .
و بعد مُضي بضع ثوانٍ أنزاح الحائط من مكانه و أخذ يرتفع لأعلى ببطيء نسبي ثم بدأت الأرض تميل لأسفل لتبدو أشبه بممر منزلق .
بلا درجات يقود نحو تلك الغرفة الكبيرة التي انكشفت وراء الجدار .
حدث كل ذلك في مدة وجيزة لم تتخطً الثوانِ العشر ، لم يتفوه فيه أحدهما بكلمة واحدة .
التفت البروفيسور لياسر فوجده متسمراً في ذهول و قد استعت عيناه و فغر فاه مما جعل مظهره مضحكاً بشدة فضحك بوقار ثم حدثه قائلاً : ما بك ؟ أراك منبهراً ؟ أيروق لك هذا ؟
هز ياسر رأسه بشده و كأنما يحاول استيعاب ما حوله ثم قال بارتباك : ما الذي حدث ؟  لســ... لست أفهم أي شيء .
قال البروفسيور مفسراً : الأمر ببساطة أن تلك المساحة التي تراها خلف الجدار كانت زائدةً عن حاجتي عندما كنت أنُشأ معملي في البداية ، فخطر لبالي أن أجعلها معملاً احتياطياً مؤمنةً بجهازٍ خفي يتعرف على بصمات أصابعي ليكشف عنه كما ترى ، فقد خلت أنني قد أحتاجه يوماً ما و ها قد أتى ذلك اليوم
و بالفعل لقد أفادتني تلك الغرفة كثيراً في أن أجعلها معملاً  أميناً لأبحاثي تلك .
قال ياسر و قد بلغت الاثارة ذروتها في نفسه : كم أنت عبقري يا بروفيسور ؟!
تجاهل بروفيسور إطراءه و هو يقول بحزم : هيا اتعبني !
تبع قوله هذا بأن تحرك نحو ذلك المعمل المصغر الذي كان غارقاً في الظلام ، و عندما وصل إلى داخل الغرفة ضغط على زر الإضاءة لتشتعل الغرفة بالنور الذي كشف عما بداخلها
و قد كان مذهلاً ..
.. و بكل المقاييس .
***********************************************************
" و الأن أقدم إليك اختراع العصر آلة الزمن !  "
قالها البروفيسور بلهجة بدت – رغماً عنه - مسرحية للغاية ، بعد أن كشفت الأضواء محتويات الحجرة و منها آلة الزمن بالطبع .
و لكن ياسر لم يكن يحتاج إلى قول البروفيسور ذلك قط ، فقد أخذ يحدق بإعجاب في تلك الآلة التي كانت تقبع في  منتصف الحجرة تقريباً و قد كانت تبدو أشبه ببيضةٍ معدنيةٍ ضخمة متصلة بأسلاك ضخمة إلى مصادر للتيار الكهربائي .
لاحظ البروفيسور الانبهار الذي ارتسم على وجه ياسر فقالاً في لهجةٍ يكسوها الزهو :
رائعة ، أليس كذلك ؟
أجاب ياسر بحماس : بل مبهرة يا بروفيسور ، و إن نجحت تلك الآلة ستكون أعظم إنجاز في تاريخ البشرية .
سأل البروفيسور بجدية : والان ، سأقوم بتجهيزها لرحلتنا فهل أنت جاهز يا ياسر ؟
أجاب ياسر بنفس الحماس : بالطبع ، فلــ ....
قاطعه رنين هاتفه الخلوي فالتقطه من جيب سرواله و نظر لشاشته ليرى رقم الطالب فانعقد حاجبيه و هو يضع الهاتف على أذنيه مجيباً : مرحباً يا يسري ، كيف حالك ؟ .. بخير ؟ إذن ماذا هناك.. تريدني ؟ .. هل الأمر هام لتلك الدرجة ؟ .. حسنا حسناً أنا قادم على الفور .
 أغلق الخط و أعاد الهاتف إلى جيبه و التفت إلى البروفيسور بدون أن يتكلم ، فسأله البروفيسور : ما الأمر يا ياسر ، خيراً يا ولدي ؟
أجابه ياسر قائلاً في حرج : معذرة ً يا بروفيسور ، أنا مضطر للذهاب الآن ، و لكني لن أتأخر .
سأله البروفيسور : أقلقتني يا ياسر ما الأمر  ، و من كنت الذي تحدثه الآن ؟
هز ياسر كتفيه مجيباً في حيرة : أنه أخي يسري أخبرني أنه يريدني الآن في المنزل لأمر هام  لن يستغرق بضع دقائق و لن يعطلني ، و لكنني لا أملك أدنى فكرة عما يريد .
قال البروفيسور : حسناً يا ياسر اذهب و أنا في انتظارك لتطمئنني عندما تعود لنبدأ رحلتنا بإذن الله .
قال ياسر مبتسماُ : و أنا لن أتأخر ، سأرى ماذا يريد ، و سأستغل فرصة عودتي للمنزل في الاستعداد للرحلة .
قالها و غادر تلك الغرفة التي تحوي بداخلها تلك الآلة ..
.. آلة الزمن .
*********************************************************************
يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;