بحث في المدونة

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

آلة الزمن : الفصل الرابع و الأخير ( الصدمة )

" غير ممكن ! "
صاح البروفيسور بتلك الجملة باستنكار شديد ، فقال يسري بلهجةٍ ساخرة ٍ : بل أن هذه هي الحقيقة بعينها ، لكن كان دائماً ما يحقد و يزعم أنني دائماً ما أتظاهر بالبراءة لأظفر بحب الناس وتقديرهم .
لم يعلق البروفيسور فأفسح المجال ليسري لكي يتابع : و بعد هذه الخيانة ، و ضياع مستقبلي لم أجد ما شيء أفعله خيرُ من أن أنكب على كتب علم النفس ، فكما أخبرتك أنني أعشق هذا المجال عشقاً جماً .
و هنا صاح البروفيسور في ثورة : ما شأني أنا بكل هذا ؟ أنا لا أريد أن أعرف سوى هدف مجيئك لهنا و ماذا فعلت بمساعدي ؟
ضحك يسري في غير اكتراث و هو يجيب : هدأ من روعك يا بروفيسور ، ولا تتعجل .
صاح البروفيسور بلهجة تمزج بين الغضب و السخرية : أهدأ ! تقتحم علي معملي و تقيدني بدون وجه حق و تقول لي اهدأ ؟! يا لك من وقح .
تظاهر يسري بأنه لم يسمع تجاوزه الأخير و إن لم يستطع كبت غضبه و هو يقول : قلت لك سأخبرك بكل شيء ، و على كُلٍ روايتي على وشك الانتهاء .
أطبق البروفيسور شفتيه في سُخط ، فتابع يسري روايته :
و أخذت حياتي تسير على هذا المنوال ، وقتي ينقسم بين العمل و بين القراءة حتى جاء ذلك اليوم .
حين قابلت د. سميث ، ذلك الطبيب النفسي الانجليزي المقيم هنا في مصر مصادفة ً في أحد المكتبات العامة حيث لاحظ اهتمامي الشديد بكتب علم النفس و تبادلنا أطراف الحديث سوياً و سألته عن أحد الكتب التي كنت أبحث عنها و لم أجدها في المكتبات فقال لي أنه يملك هذا الكتاب و أنه لا يمانع في إعارته لي ، فأعطاني عنوان منزله و أستضافني عنده في أحد الأيام ، ثم عرض لي العمل معه كمساعد له لأنه لاحظ موهبتي في هذا المجال .
و بالطبع لم أتردد في قبول هذا العرض الرائع خاصة ً أنه عرض علي راتبٍ مُجزيٍ دفعني لترك عملي السابق و التفرغ التام لذلك العمل الذي كان يناسبني .
و لم يخِب ظني أبداً فكان العمل معه أمتع و أفضل مما توقعت ، و لقد تعلمت منه الكثير .. و الكثيرة جداً .

و لكن أهم ما تعلمته منه على الإطلاق ، و ما ساهم بشكل أساسي في نجاح خطتي هو .. التنويم المغناطيسي  *
****************************************************************************
" ماذا الذي تعنيه بقولك هذا ؟ "
قالها البروفيسور في حيرة و قد عاد الاهتمام يتسلل إلى قلبه مجدداً ، فابتسم يسري و قال متفاخراً : أعني أنني تدربت على ذلك الأمر كثيراً جداً حتى أتقنته تمام الاتقان و أخيراً جاء وقت الاستفادة منه ..
فبعد أن ألتحق ياسر بكلية العلوم – بفضل مجهودي الشخصي بالطبع – تظاهر بالندم و أخذ يعتذر لي مراراً عن حماقته بشتى الطرق ، تلك و لكن بما يفيد كل ذلك ؟!
و بعد تخرجه ، بدأ كما يبدأ الجميع بوظائف بسيطة ، حتى بدأ العمل لديك ، و يبدو أنه راق إليه كما  راق لي عملي .
كان يعود يومياً إلى المنزل سعيداً و يروي لي عن متعة عمله وحالة التشويق العلمية التي يعيشه يومياً ، و لقد كانت تجذب أحاديثه انتباهي بالفعل و تشعل في رأسي العديد و العديد من الأسئلة التي لم يكن يطفئها بقوله لي أنها من أسرار العمل و أنه لا يستطيع أن يبوح إلي بها .
و هنا حان وقت استعمال التنويم المغناطيسي في استخلاص المعلومات من عقله الباطن ، و بالفعل نجحت في ذلك ، و ظللت أفعل ذلك بصورة يومية على سبيل التسلية و التدريب و لكن بدأ الملل يتسرب إلي رويداً رويداً ، فلم أجد في أكن أجد في عقله شيئاً ما يفيدني و كنت على وشك الإقلاع عن ذلك بالفعل و لكن ..
فعندما عاد من معملك البارحة ، لم يأتي ليروي لي يومه كما كان يفعل دوماً بل دخل مباشرة ً إلى غرفته فتبعته فوجدته شارد الذهن بصورة لم أعدها عليه قبلاً فانتظرت الوقت المناسب لأقوم بتنويمه  و هنا وجدت في عقله ما كنت أبتغيه و أحتاج إليه ، حصلت منع على معلومات عديدة عن آلتك .. آلة الزمن .
و هنا توقف يسري عن الحديث ، ليلقي بنظرةٍ على البروفيسور الذي كان مصدوماً ..
.. و إلى أبعد الحدود .
****************************************************************************
" مستحيل "
صاح بها البروفيسور بعد أن أستفاق من صدمته و قد قطب حاجباه في ذهول
فسأله يسري و هو يمط شفتيه : ما هو المستحيل بالضبط ؟ ألا تصدق أنني أستطيع التنويم مغناطيسياً ، أتحب أن تجرب بنفسك .
قال البروفيسور في حدة : ليس هذا ما أقصده ، و إنما أقصد أنه من المستحيل أن تجد أي معلومات عن آلة الزمن لدى ياسر فهو لا يعلم شيئاً عن هذا الأمر قط ، لا يوجد أي مخلوق آخر غيري يعرف عن تلك الآلة شيئاً .
انعقد حاجباه بدوره و قال متعجباً : و كيف هذا ؟ لقد وجدت الكثر من المعلومات عنها في عقله ، و هذا ما دفعني لزرع ميكروفون صغير بسيط في ساعة يده و التي دائماً ما يرتديها ، وبالطبع لم يسعه الوقت ليكشف الأمر و لقد استمعت إلى حديثكم كله و انتظرت الوقت المناسب للتدخل و قمت بمحادثته هاتفياً و استدعيته إلى المنزل فجاء و قمت بالتخلص منه و بدلت معه ملابسي و قمت بالاستعداد لمواجهتك ثم جئت إلى هنا ، لاستخدم آلتك في تصحيح الماضي و استعادة حقوقي التي سلبها لي ياسر ، لذا فأنا أنشد أنك ستكون متعاوناً و تشغل لي تلك الآلة .
تجاهل البروفيسور طلبه الأخير و سأله في قلق : تخلصت منه ؟! ما الذي فعلته به بالضبط ؟!
قال يسري و قد بدا في صوته رنة الألم : لا تخشَ شيئاً ، أنه أخي في النهاية لقد قمت بتخديره فحسب و هو الآن يرقد بخير في منزلنا .
" أنت مخطئ " 
ترددت هذه الصيحة داخل المعمل بصوت قوي فالتفت كٌل ٍ من البروفيسور و يسري إلى مصدر الصوت و هنا صُعق كُلٍ منها في دهشة ، فهناك و على باب ذلك المعمل السري الذي يحوي آلة الزمن ، كان يقف ذلك الشخص الذي كان من المفترض أن يكون نائماً في منزله الآن ..
لقد كان ياسر !
****************************************************************************
" و لكن كيف ؟! كيف ؟! "
قالها يسري في غمرة ذهوله مما يراه أمامه ، فنظر إليه ياسر و قال ساخراً : أخشى أن مخدرك  السخيف هذا لم يفلح معي ، وذلك لأنك نسيت شيئين مهمين للغاية ..
صمت برهة ثم تابع بنفس اللهجة الساخرة : أولهما إنني كنت أعاني من أرق مزمن ** في صغري ، و الثاني أنني كنت طالباً في كلية العلوم و أعرف ما هي الإجراءات المناسبة لمثل تلك الحالة و صادف الأمر أنني كنت أملك جرعة صغيرة من عقار بريديون *** فاستطعت أن أنهض بصعوبة لأرتشف منها و يبدو أنك تركتني و ذهبت مباشرة ً دون أن تتأكد حتى إذا كان تم تخديري أم لا .
توقف عن الحديث لحظات ثم استطرد في لهجة تملؤها الأسى : لم أكن أعلم أنك تُكنِ لي كل هذا القدر من الحقد يا .. يا أخي .
لم يعلق يسري ، فسأل البروفيسور متعجباً : هل سمعت كل ما قاله عنك ؟
أجاب ياسر بنفس اللهجة و إن استعادت بعض السخرية : بلى ، فقد نسي أخي العزيز شيئاً ثالثاً كذلك ، فعندما بدل ملابسي معه أنتزع ساعتي و ارتداها كذلك و سهى عليه أن ينزع جهاز التنصت و ربما أيضاً لأنه لم يعتقد أنني قد أُفيق الآن ، فاستمعت لكل شيء و أنا في الطريق لهنا و حتى عندما وصلت لم أشئ أن أقاطع حديثكما هذا إلا في الوقت المناسب .
قال كلمتيه الأخيرتين بابتسامه عجيبة و هو يلتفت إلى أخيه الذي كان لا يزال على حالته المصدومة و قد استعت عيناه و هو يحدق في ياسر بذهول تام
ثم تلاشت ابتسامة ياسر فجأة و هو يضع يده على رأسه ملتفتاً للبروفيسور قائلاً في حرج : معذرة ً يا بروفيسور ، لقد نسيت أن أحررك من قيودك تلك !
قالها ثم اتجه نحو البروفيسور ليحل قيوده ..
و لكن فجأة اتسعت عيناه البروفيسور و هو يحدق إلى ما خلف ياسر ثم صاح محذراً : انتبه خلفك يا ياسر .
فشرع ياسر يلتفت إلى وراء ظهره ، لكن و قبل أن يتم التفاتته فوجئ بيسري يكبله بذراعيه بقوة و هو يصرخ في ثورة : لن أتركك تفسد خطتي و مجهوداتي أبداً يا ياسر أبداً .
أخذ ياسر يقاومه بكل قوته و صاح فيه بغضب : ألن تكف عن حماقتك تلك ؟!
قال يسري بنفس الثورة و هو يحكم يديه على صدر ياسر : و لما لم تكف انت عن حماقتك في الماضي ؟ لماذا غدرت بي لماذا ؟ ثم تتظاهر الان بالندم و البراءة ؟ هل ستظن أنني سأصدقك ؟! هراء ! لن تخدعني كما خدعت غيري ، هل تفهم ؟
احتقن وجه ياسر بشدة آثر ضغط يسري الشديد على صدره و حاول التخلص من يديه و لكن بلا جدوى ، و البروفيسور يجلس يتابع ما يحدث في ارتياع و هو يحاول يائساً حل قيوده .
و كادت الدماء تختفي من على وجه ياسر الذي حاول بكل جهده انتزاع يديه من حصار يدي يسري و بعد عناء طويل نجح في ذلك أخيراً ثم وجه لياسر لكمة ً  في وجهه أودع فيها كل قوته ، كل ذلك تم في ثوانٍ معدودةٍ ، فلم يتمكن يسري من تفادي لكمة ياسر فأصابت وجهه مصدرة ً دوياً ، فأفلت يسري شقيقه أخيراً و أخذ يصرخ متألماً ..
أما ياسر فأخذ يلهث في عنف محاولاً التقاط انفاسه ..
و لكن يسري لم يلبث أن نهض واقفاً و أنقض على ياسر الذي لم يكن قد استعاد كامل عافيته بعد ، و سقط كلاهما آثر تلك الإنقضاضة ..
و أمام عيني البروفيسور المذهولتين أخذا يتعاركان في قوة و شراسة و هما يتدحرجان أرضاً بعنف و ..
" انتبها ! "
صاح بها البروفيسور بأعلى صوته محذراً كلا من ياسر و شقيقه الذي أخذان يصدمان في تعاركهما جسم الآلة حتى أرتجت في شدة ..
و لكن أياً منهما لم يبد عليه أنه سمع صيحته تلك ..
" لا احترسا سوف .. "
" تم تشغيل الآلة ، سوف يبدأ العد التنازلي الآن "
قطع ذلك الصوت الآلي صيحته الأخيرة المحذرة
و ما كادت تلك الصيحة تتردد في أرجاء المكان حتى صرخ البروفيسور في هلع : ما هذا الذي فعلتماه أيها التعسين ؟! لقد شغلتما الآلة .
" عشرة "
و هنا توقف كلاهما عن العراك و التفت كل منها إلى الآلة و قد بدت ملامح الذعر واضحة ً على وجهيهما و لم يدر كل منهما ماذا يفعل ؟!
" تسعة "
صاح البروفيسور في صوتٍ أقرب إلى البكاء و قد بدا عليه الانهيار التام : آلتي ستضيع ، كل مجهوداتي السابقة ستضيع أدراج الرياح و ستقلع الآلة إلى المجهول ، كل هذا بسببكما أيها الأحمقين .
" ثمانية "
صاح يسري بعد أن نهض واقفاً هو و ياسر : كلا لن يضيع أملي بهذه السهولة ، كلا لن أسمح بهذا قط .
قلها ثم شرع محاولاً أن يدلف داخل الآلة التي فُتحت أبوابها بعد بدء العد التنازلي .
و لكن ما قاد قدميه تتحركان صوبها ، حتى أحس بمن يجذبه بعيداً فالتفت فوجد أخيه ياسر متشبثاً بمعطفه و هو يقول في مذعوراً : ماذا ستفعل أيها المجنون ؟
" سبعة "
قال يسري في غضب و هو يحاول التملص من أخيه : اتركني أرحل قبل فوات الأوان ، لا شأن لك بي ! ماذا يهمك في أمري ؟!
قال ياسر في صرامة محاولاً التشبث به أكثر : كلا لن أسمح لك بهذا قط ، مهما فعلت بي فأنت أخي و لن أسمح لك بأن تؤذي نفسك أبداً .
" ستة "
لم يعبأ يسري بكلمه و دفعه بغلظة ليسقط ياسر أرضاً ثم قال يسري : إلى اللقاء يا .. يا أخي .
"خمسة "
و هنا قفز يا سر داخل الآلة و اختفى يسري عن الأنظار ، وسط حنق أخيه و صدمة البروفيسور ..
" أربعة "
و هنا ضرب ياسر الأرض بكفيه و قال و الدموع في عينيه : أنا السبب في هذا أنا السبب في كل شيء .
" ثلاثة "
و فجأة برقت عيناه و أتخذ قراراً خطيراً ، فالتفت إلى البروفيسور و قال لهل في حزن : سامحني يا بروفيسور .. سامحاً أرجوك .. و لكني لا أملك خياراً أخر .
" اثنين "
لم يتفوه البروفيسور بحرف , بدا أنه لم يخرج من حالة الانهيار التي أصابته ، فهز ياسر رأسه و استطرد و هو يتجه نحو باب الآلة : وداعاً .
" واحد "
و هنا قفز ياسر داخل الآلة البيضاوية و اختفى داخلها .
" انطلاق "
تبع هذا الصوت الآلي تصاعد دخان كثيف من أطراف الآلة حتى أخفاها عن الأنظار ..
و صحب هذا الدخان الكثيف ضجيج هائل أستمر لبضع دقائق مع مراقبة عيني البروفيسور المذهول ثم انقشع الغبار و عاد الهدوء للمكان
و وضح خلف الغبار أن الآلة قد أخطفت ..
اختفت تماماً
و هنا أفاق البروفسيور من صدمته ..
 تصاعد إلى ذهنه سؤال واحد فقط ..
هل سافرت الآلة زمنياً حقاً ؟
هل ؟
****************************************************************************
تمت
****************************************************************************
التنويم المغناطيسي : التنويم المغناطيسي باللاتينية *: (Hypnosis)  هو حالة ذهنية وهادئة ومسترخية, ففي هذه الحالة يكون الذهن قابل بشكل كبير للاقتراحات والإيحاءات. التنويم الإيحائي هو حالة طبيعية جدا, ويمكن القول بأن كل شخص سبق ومر بتجربة كهذه. فعندما تستغرق في قراءة كتاب معين, وعندما تركز كل التركيز بمشهد أو فيلم معين, وعندما يغرق ذهنك بالأفكار والتركيز بموضوع معين.. الخ.. فهذه كلها حالات طبيعية من التنويم الإيحائي, حيث ينصب التركيز الذهني الشديد الذي يضع كل الأشخاص والأشياء من حولك خارج نقطة التركيز تلك. وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. فحسب " منظمة
الصحة العالمية " 90% من عامة السكان قابلين للتنويم الإيحائي
** الأرق : هو عبارة عن استعصاء النوم أو تقطعه أو انخفاض جودته، مما يعود سلبا على صحة المريض النفسية والجسدية. ويمكن أن يعرف بانه الشكوى من عدم الحصول على نوم مريح خلال الليل وهو ما يؤثر على نشاط المصاب خلال النهار. وتختلف أسبابه وعلاجاته من شخص لآخر حسب حالته وظروفه  و الأرق المزمن وهو الذي يحدث عندما يستمر الأرق لفترة طويلة قد تصل إلى سنوات ، وهو النوع الأكثر خطورة . 
*** عقار بريديون : نوع من العقاقير الطبية يستخدم في مساعدة المرضى من التعافي من آثار التخدير بعد الجراحة و هو عقار فريد بخصائصه إذ يبطل مفعول التخدير الخفيف والقوي على حد سواء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;